تواجه إيران الاستثمار السعودي للاعتداء على سفارة الرياض في طهران بمزيد من الهدوء والتعقّل، الذي نجم عنه، أخيراً، إقالة مساعد محافظ طهران للشؤون الأمنية صفر علي براتلو واعتقال نحو ستين شخصاً في قضية مهاجمة السفارة، حسبما أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية الإيرانية حسين علي أميري. ولكن هذا الإجراء توازى، أيضاً، مع تصريحات سياسية إيرانية أبدت، بمجملها، إيثارها انتهاج خيار التعقّل أمام النية السعودية جر المنطقة إلى المزيد من التوتر.
وقد عبّر وزير الخارجية محمد جواد ظريف عن هذا الموقف، خلال لقائه مساعد وزير الخارجية الصيني جانغ مينغ، حين قال "نحن قمنا، حتى الآن، بالرد علی ممارسات السعودية السلبية، من خلال التحلي بالصبر والاحتمال، لأن التعقل والحكمة الإيرانية دائماً بعيدة کل البعد عن التوجهات غير المدروسة وغير الناضجة للمسؤولين السعوديين". وأضاف "نحن لن نسعی أبداً وراء التوتر في المنطقة".
كذلك، تطرّق ظريف إلى الأزمة مع السعودية، أمس، خلال استقباله الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، وأكد أن إيران لن تسمح بأن "تترك التوجهات السعودية المثيرة للتوتر أثراً سلبياً علی تسوية الأزمة السورية، وأن تتفاقم مشاکل الشعبين السوري واليمني، وکذلك أوروبا بسبب هجرة المواطنين السوريين المظلومين إليها". كما اعتبر أن "السعودية تحاول أن تترك أثراً سلبياً علی الأزمة في سوريا، من خلال إجراءاتها التصعيدية".
من جهته، أكد رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني أن السلوك السعودي الأخير "يصب في مصلحة أميركا والكيان الصهيوني"، موضحاً أنه "في مثل هذه الظروف، يجب أن تؤدي إيران دور إرساء الاستقرار في المنطقة، والضرورة إلى ذلك اتخاذ الخطى بحكمة وتجنب التصرفات الانفعالية".
في سياق آخر، انتقد رئيس مجلس الشورى "الإجراءات العدائية للكونغرس الأميركي" تجاه "فيلق القدس" في "الحرس الثوري"، مصرحاً بأنه "لولا فيلق القدس لشهدت طهران عشرات الانفجارات الإرهابية، كما حصل في باريس". وأكد لاريجاني أن "القانون الذي مرره، أخيراً، الكونغرس والذي يفرض قيوداً على منح تأشيرات سفر للإيرانيين ومن زار إيران، يعارض روح خطة العمل المشترك". كما شدد على أنه "إذا لم يتم تعديلها، فإن إيران ستتخذ المواقف اللازمة".
كذلك، أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشوری علاء الدين بروجردي، أن قطع السعودية علاقاتها مع إيران کان مخططاً له، نظراً إلى الهزائم التي منيت بها في المنطقة.
وعلی هامش مراسم أربعينية السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر رکن أبادی، أدان بروجردي اقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، وقال "إننا لا نعتبر الثورية في إثارة الضجيج والتحرکات العنفية، ولقد دعونا علی الدوام إلى العقلانية والحكمة في جميع المجالات منذ الماضي ولغاية الآن".
وشدد بروجردي على "ضرورة التعاطي مع العالم"، وقال "إننا بطبيعة الحال نری ضرورة أن نتعامل مع السعودية بصورة أکثر جدية، وبمواقف أکثر حزماً مما قمنا به لغاية الآن". وأشار بروجردي إلى أنه "في کثير من الأحيان، يجب أن تكون دبلوماسيتنا هجومية مبنية علی العقلانية".
في السياق، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابري أنصاري أن "إغلاق السفارة لا جدوى منه"، موضحاً أن "حرب السفارات لن تعود بالنفع على السعودية، وهي ستضطر عاجلاً أو آجلاً إلى القبول بالحقائق من حولها".
وخلال مقابلة مع القناة الأولى للتلفزيون الإيراني، مساء السبت، قال أنصاري، رداً على سؤال بشأن احتمالات اندلاع حرب ومواجهة، إن "الرياض، في إطار استراتيجيتها التي تحدثت عنها، أخذت في الحسبان الدخول في مواجهة وحرب مباشرة إلى حد ما، ولكن هل سيسمح باقي اللاعبين الآخرين في المنطقة والعالم للسعودية بمواصلة نهجها في إثارة الحروب، فإنه أمر مشكوك فيه، فالسعودية تشعر على الأقل بأن الدخول في حرب محدودة يخدمها إلى حد ما".
وأعرب أنصاري عن أسفه "للظروف التي يمر بها السودان والأزمة الاقتصادية التي يعانيها منذ سنتين"، وقال إنه "يتم إغراء مثيل هذه الدول، التي تكون بأمسّ الحاجة إلى المساعدات بالبترو دولار السعودي".
وعن الاجتماع الوزاري الاستثنائي لدول مجلس التعاون في الرياض، رأى المتحدث باسم الخارجية أن "السعودية تسعى إلى جر أمة بكاملها معها، وهذا لم يحدث، وكانت استجابة الدول العربية والإسلامية لها محدودة للغاية".