وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، من وصف الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بأنه «واعظ الكراهية»، سيصبح رئيساً لألمانيا. الوجه الدبلوماسي المعروف في العالم، وصاحب مقاربة معتدلة تجاه موسكو، نال، أمس، موافقة الائتلاف الحكومي ليصبح رسمياً المرشح الأول لرئاسة الجمهورية، هذا المنصب الفخري الذي يعوّل عليه حماية القيم التي قامت عليها ألمانيا.
يشجع شتاينماير حواراً وسلاماً مع روسيا بدلاً من الحرب والعقوبات
فبعد أشهر من الانقسام، رفع حزب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الحظر عن اسم شتاينماير، ليسميه الائتلاف المكون من «الاتحاد المسيحي الديموقراطي» (حزب ميركل)، و«الاجتماعي الديموقراطي» الذي ينتمي إليه شتاينماير، و«حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري»، الرئيس المقبل للبلاد خلفاً ليواخيم غوك الذي يتمتع شتاينماير بالكثير من صفاته، أبرزها القبول الواسع من الرأي العام. ومن المتوقع أن يخلفه في الخارجية رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز.
داخلياً، كان التوافق على اسم شتاينماير ضرورياً، إذ إن التقليد السياسي في ألمانيا يفرض على الائتلاف الحاكم أن يسمي رئيساً ينال القبول، ويعمل بشكل حيادي عن الانقسامات الحزبية، ممثلاً بذلك «ضمير» البلاد. وهذا المبدأ في السياسة الألمانية في اختيار الرئيس عرقل، في الأشهر الماضية، تسمية شتاينماير، إذ إن ميركل كانت تفضل اسماً غير منحاز سياسياً. لكن إصرار «الاجتماعي الديموقراطي» على شتاينماير، وعدم رغبة المستشارة في مزيد من المماطلة مع اقتراب استحقاق انتخابي نيابي الخريف المقبل، لم يترك لها أي خيار سوى الموافقة على وزير خارجيتها منذ عام 2013. فالاسم الذي أرادت ميركل اختياره ما كان ليحظى بالأغلبية المطلوبة في الجمعية الفدرالية، الجهاز التشريعي الذي من صلاحياته انتخاب رئيس الجمهورية، وخصوصاً أن «حزب الخضر» و«حزب اليسار» يفضلان كذلك رئاسة شتاينماير بدلاً من رئيس محافظ.
ويرجح أن رئاسة شتاينماير (60 عاماً) خيار حكيم لألمانيا في ظل التبدلات الحاصلة على الساحة الدولية، فهو من الشخصيات السياسية الأكثر شعبية في البلاد، تماماً مثل غوك الذي أعلن في حزيران الماضي عدم ترشحه لمدة رئاسية ثانية بسبب تقدم سنه.
وتنتهي مدة رئاسة غوك الحالية في آذار 2017، وسينتخب شتاينماير قبل ذلك في 12 شباط، من قبل أعضاء البرلمان وممثلي الحكومات الفدرالية الست عشرة في البلاد. تاريخ شتاينماير السياسي ودوره في الخارجية يجعلان منه أيضاً مرشحاً مثالياً للمنصب. وقد صعد شتاينماير السلّم السياسي في ظلّ معلمه، المستشار السابق، غيرهارد شرودر. وساهم أيضاً في تنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية التي يرفضها اليسار، لكنها مرغوبة من كثر على اعتبار أنها أسست لاقتصاد ألماني قوي وصحي.
ومثل شرودر صديق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يشجع شتاينماير مقاربة أقل حدةً تجاه روسيا. وعلى الرغم من أن برلين دعمت العقوبات ضد موسكو قبيل انضمام القرم إلى روسيا، إلا أن شتاينماير، بصفته وزيراً للخارجية، دعم دائماً ثقافة الحوار مع الروس وأمل تخفيف التوتر مع الكرملين. وخلال العام الماضي، عمل على الدعوة الدائمة لوقف إطلاق النار في سوريا، متحاوراً مع كل من الروس والأميركيين، لكن جهوده فشلت.
وقد ترفع مقاربته اللطيفة مع روسيا الانتقادات ضده، لكن الرأي العام الألماني يشجع توجهه نحو الحوار والسلام. وانتقد شتاينماير سابقاً سياسة «حلف شمال الأطلسي» تجاه روسيا، قائلاً إن «ما يجب تجنبه حالياً هو أصوات صراخ المحاربين وقعقعة السيوف (أي تأجيج الأوضاع عسكرياً)». من جهة ثانية، ينتقد شتاينماير بشدة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، قائلاً، بعد انتخابه، إن «أياماً صعبة» تنتظر العالم، رافضاً تهنئته بفوزه. رئيس «الحزب الاجتماعي الديموقراطي»، سيغمار غابرييل، تحدث، أمس، عن المهمة الصعبة التي تنتظر الرئيس الجديد، مع صعود «الشعبوية»، قائلاً إن «الرئيس الجديد لبلادنا يحمل مسؤولية الدفاع عن القيم الليبرالية والاشتراكية والديموقراطية التي ينص عليها دستورنا. الحفاظ على تلك القيم هو التحدي الأكبر في عصرنا». مهمة شتاينماير صعبة دون شك، ولعل شخصيته الرافضة لتصعيب وتعقيد الأمور في السياسة الخارجية قد تنفع في منصب الرئاسة الفخري في ألمانيا، دوره الأول هنا أخلاقي، وبنظر معظم الألمان أنه مقدر لشتاينماير.
(الأخبار)