في أول تعليق لزعيم «حزب العمّال» البريطاني، جيريمي كوربين، على فوز دونالد ترامب، قال إنّ وصول رجل الأعمال الثري إلى الرئاسة الأميركية يعكس «رفضاً قاطعاً للمنظومة السياسية والاقتصادية التي ببساطة لم تعد تناسب معظم الناس. هذه السياسات زادت من عدم المساواة وسوء المعيشة لدى الأغلبية في الولايات المتحدة، كما في بريطانيا». وأضاف كوربين أنّ ما جرى يعدُّ «رفضاً للنخبة الحاكمة الفاشلة، التي على ما يبدو لم تصغِ إلى ما يريده الشعب»، إلّا أنه شدّد في الوقت نفسه على أن «أجوبة ترامب عن الأسئلة الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة خاطئة بشكل واضح».«الاشتراكي الذي هزّ بريطانيا» إثر فوزه مرتين متتاليتين بزعامة «حزب العمّال»، بالرغم من «الانقلاب» الحزبي الذي واجهه وحملة التجييش الإعلامي ضده، والجمهوري ترامب الذي واجه حملة سياسية وحزبية وإعلامية (محلية وعالمية) شرسة في الأشهر التي سبقت الانتخابات، نجحا في التعبير عن غضب المواطن العادي وإحباطه، الذي لم يعد يثق بقدرة النخب الحاكمة على تلبية متطلباته الاقتصادية، وبات يرى في النظام القائم مدافعاً أول عن الشركات الكبرى.
في مقال لتشارلي كوبر وتوم مكتوغ بعنوان «لماذا جيريمي كوربين يحب ترامب؟»، تشير مجلة «بوليتيكو» إلى أن عام 2016 قلب المشهد السياسي «رأساً على عقب»، إذ إن فوز ترامب في الولايات المتحدة «أعطى أملاً» لـ«اليساري المتشدد» جيريمي كوربين في المملكة المتحدة.
ووفق المقال، «فيما كان بيرني ساندرز يبكي، كان أنصار كوربين أكثر تفاؤلاً بفوز الملياردير الديماغوجي، الذي يشير باعتقادهم إلى موت الوسط الليبرالي وإلى أن الراديكاليين هم الذين سينتصرون في السياسة الغربية الجديدة». فسقوط «الوسط اليساري» في «حزب العمال» بعد إعادة انتخاب كوربين، الذي حصد 61.8 في المئة من الأصوات مقابل 38.2 في المئة فقط لمنافسه أوين سميث، شبيه بسقوط «الوسط اليميني» في «الحزب الجمهوري»، وصعود ترامب «الراديكالي» قد يلحقه صعود لكوربين.
وهذا ما عبّرت عنه وزيرة الخارجية في حكومة الظل البريطانية، إميلي ثورنبيري، حين قالت إن هناك «أوجه تقارب» بين الرئيس الأميركي المنتخب وكوربين الذي «قد يفاجئ» الجميع (كما فعل ترامب) ويفوز بمنصب رئيس وزراء بريطانيا في الانتخابات المقبلة. ووفق ثورنبيري، فإنّ ترامب وكوربين تجمعهما الكثير من أوجه التشابه، على الرغم من كونهما ينتميان إلى توجهين سياسيين متناقضين، موضحة أن قدرة ترامب على حشد آلاف من الناس حوله تشبه تأييد مئات الآلاف من البريطانيين لقيادة كوربين لـ«حزب العمال».
ويعدُّ ترامب وكوربين شخصيتين من «خارج النظام»، عمل «النظام» نفسه على إفشالهما وعزلهما، لكنهما نجحا، بطرق مختلفة، في جذب أعداد كبيرة من المناصرين وجدوا فيهما تحدياً حقيقياً وأملاً جديداً. لكن بالرغم من إجماع الاثنين على ضرورة إيجاد بدائل حقيقية للنظامين السياسي والاقتصادي الفاشلين، ومعارضتهما لسياسات التجارة الحرة والعولمة، فإنهما يختلفان حول طبيعة هذه البدائل وكيفية الوصول إليها.
ولعلّ نظرة كوربين لكيفية معارضة النظام القائم، تختلف جوهرياً عن نظرة ترامب الذي يولي أهمية لخطاب العصبية والغرائزية والانعزالية بدل تقديم حلول علمية وواقعية. وكوربين، المعجب بفلسفة وشخصية كارل ماركس «الساحرة»، يؤمن بالعدالة الاجتماعية والمساواة، ويسعى إلى رفع مستوى القدرة المعيشية للمواطن البريطاني العادي، وقد نجح في تحويل «حزب العمال» إلى أكبر حزب في أوروبا من خلال استقطاب القطاعات الشعبية والشبابية المختلفة التي رأت فيه «نفساً جديداً» سيعيد الحزب إلى سابق عهده كحركة للطبقة العاملة. وبخلاف ترامب أيضاً، فإنّ «اليساري المتشدد» الذي وصفته الصحف عند فوزه بزعامة الحزب المرة الأولى بـ«صديق العرب»، مدافع عن حقوق اللاجئين، ودعا إلى «إيجاد حلول سلمية» لمواجهة هذه الأزمة، حتى أنه شارك في تظاهرات داعمة للاجئين في بريطانيا، ويسعى إلى إشراك جميع البريطانيين في «المعارضة» من دون أي تفريق عرقي أو ديني أو جنسي.
ودعا كوربين ترامب، أمس، إلى أن «ينضج ويعي أن الاقتصاد الأميركي يعتمد على المهاجرين». وانتقد بقوّة طريقة تعامل ترامب مع اللاجئين في الولايات المتحدة، وكذلك «لغته السخيفة والمسيئة» تجاه المسلمين، مشدداً على ضرورة «مواجهة» هذه الأفكار. وتحدث كوربين عن «الغضب المطلق» الذي شعر به هو وزوجته المكسيكية وعائلتهما بعد حديث ترامب عن بناء جدار فاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية، وتابع قائلاً: «إنني أتطلع إلى اللقاء بين زوجتي ودونالد ترامب... إنها مكسيكية فخورة في العيش هنا (بريطانيا). كلنا نريد أن نعيش في عالم نستطيع فيه أن نتحمّل ويتعامل بعضنا مع بعض».
ولفت السياسي البريطاني إلى أنّ «على المجتمعات المختلفة أن تتحد لتعمل على تحسين القطاع التعليمي، والصحي، والمعيشي... إذ إنّ إلقاء اللوم على الأقليات لا يساعد في بناء المنازل»، في إشارة إلى سياسة ترامب المناهضة للمهاجرين واللاجئين. وكان كوربين قد دعا ترامب في السابق إلى زيارته، في محاولة لفهم سبب غضبه من المكسيكيين والمسلمين. وقال كوربين حينها: «كما تعلمون، زوجتي مكسيكية ودائرتي الانتخابية متعددة الثقافات... كنت سأذهب مع ترامب إلى المسجد وأجعله يتحدث مع الناس هناك».