أملت أوروبا أن تستيقظ صباح أمس على خبر فوز هيلاري كلينتون في رئاسة الجمهورية الأميركية. لكن، كما حدث عند خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، استفاق القادة والناس على صدمة فوز دونالد ترامب، مع ما يعنيه ذلك من «هلع» كان بعض الدبلوماسيين والمسؤولين قد عبّروا عنه في السر والعلن. الآن، وقد صار «كابوس» الأوروبيين حقيقة، جاءت تصريحات السياسيين الأوروبيين «داكنة»، وفق توصيف صحيفة «شبيغل» الألمانية. فالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وجدت أنّ من الضروري إعادة تذكير الرئيس المنتخب بالقيم التي تجمع برلين وواشنطن، قائلةً: «الديموقراطية، احترام حقوق الإنسان، بغضّ النظر عن الدين والجنس ولون البشرة والميول الجنسية أو الرأي السياسي... هي القيم التي أدعو من خلالها رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، إلى التعاون معاً على أساسها».
كذلك، أمل وزير الخارجية الألماني، فرانك ــ فالتر شتاينماير، ألّا «نكون أمام عدم استقرار أعظم في العالم. خلال حملته، شكل ترامب خطراً ليس لأوروبا فقط، بل لألمانيا أيضاً»، مضيفاً: «علينا أن نُعدّ أنفسنا لسياسة خارجية أميركية لا يمكن التنبؤ بها. علينا أن نُعدّ أنفسنا لحالة تكون فيها أميركا مستعدة لاتخاذ قرارات منفردة».
أكثر من ذلك، فقد ذهب وصف رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، إنريكو ليتا، الحدث بأنه «التطور السياسي الأكثر أهمية منذ سقوط جدار برلين».
بجانب هذه الردود، في بروكسل، حيث نقلت صحيفة «لوموند» منذ يومين، أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يرفعون الصلوات لكي لا يفوز ترامب، جاء رد الفعل كئيباً. فقد صرّح رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، بأنه ليس «سعيداً» بهذه النتيجة، لكنه عبّر عن أمله في أن «النظام السياسي الأميركي قوي بما يكفي ليتعامل مع رئيس مثل ترامب».
ومثله فعل كلّ من رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي، جان كلود يونكر ودونالد تاسك، اللذين ذكّرا الرئيس المنتخب في رسالة مشتركة، بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تجمع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قائلين إن «تمتين العلاقة العابرة للأطلسي مهم اليوم أكثر من أي وقت مضى».

التزامات جديدة على «الأطلسي»

ربما كان الهلع الأوروبي مبرراً، خصوصاً أن شعار حملة ترامب («لجعل أميركا عظيمة مجدداً») قد يعني تبدلاً في السياسة الخارجية نحو الانعزال، وهو أمر قد أسهم الرئيس الجديد في خلال حملته الانتخابية في الإيحاء به. ومع أنه لا وضوح تامّاً حول السياسة الخارجية التي يريد ترامب اتباعها، فإن مواقف متتالية له تعطي انطباعاً أولياً عن المستقبل.
بداية، يرى الرئيس المنتخب أن على الأوروبيين تمويل دفاعهم بأنفسهم، بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتهم، وهذا يعني أن «حلف شمال الأطلسي» يواجه اليوم تحدياً ليس له سابق منذ الحرب الباردة، وفق «وول ستريت جورنال».
وسبق أن أثار تصريح ترامب، الصيف الماضي، عن «الأطلسي» جدلاً واسعاً في ظل تلميحه إلى أن بلاده لن تدافع عن أعضاء الحلف بعد الآن، لأنهم «لا يدفعون فواتيرهم». رغم ذلك، فقد هنأ رئيس «الحلف»، ينس ستولتنبرغ، الرئيس الجديد، كما قال إنه «يتطلع إلى العمل» معه.
لكنّ وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون ديرلاين، بدت أكثر تشاؤماً من ستولتنبرغ، فبعدما عبّرت عن «الصدمة الكبيرة»، قالت إنّ «على أوروبا الآن أن تهيّئ نفسها لحقيقة أنها يجب أن تزود نفسها»، ما يعني ميزانية دفاع أكبر، كذلك رأت أن واشنطن تحت القيادة الجديدة ستطلب من برلين التزاماً أكبر في «شمال الأطلسي».
والمسألة الأخرى التي تسبب الهلع لدى الأوروبيين هي سياسة ترامب «العابرة للأطلسي»، فهو يرغب في وقف اتفاقات التبادل التجاري الحر بين الولايات المتحدة وأوروبا، لأنه يرى أنها تهدّد العمالة في بلاده.

في بريطانيا الأمر مختلف

أما في بريطانيا، فإن لنجاح ترامب تأثيراً مختلفاً، فبينما هنّأته رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، رأى رئيس حزب «العمال»، جيرمي كوربن، أن وصول ترامب إلى الرئاسة يعني «رفضاً قاطعاً للمنظومة السياسة والاقتصادية التي ببساطة لم تعد تناسب معظم الناس»، مضيفاً أن تلك السياسات ضاعفت سوء المعيشة لدى الأغلبية في الولايات المتحدة كما في بريطانيا».
من ناحية ثانية، قد تكون المملكة المتحدة المستفيد الأوحد في أوروبا من السياسة الاقتصادية التي من المتوقع أن يتبعها ترامب، على عكس ألمانيا التي ستخسر في حال وقف «اتفاقية التبادل التجاري العابرة للأطلسي». فترامب، كان من مشجعي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لدرجة أنه سمّى نفسه «السيد بريكست»، ووعد بتوقيع اتفاق اقتصادي ثنائي بين لندن وواشنطن، وهو ما يعني أن العلاقة البريطانية الأميركية قد تزدهر.

استقبال يميني شعبوي

الفرح الحقيقي في أوروبا ظهر جلياً عند بعض التيارات السياسية الشعبوية مع تهليل قادة اليمين المتطرف، في بعض عواصم القارة، لفوز ترامب، وأبرزهم زعيمة حزب «الجبهة الوطنية»، مارين لوبن، ورئيس حزب «الحرية» الهولندي، خيرت فيلدرز، الذي قال على «تويتر» إن الأميركيين «يستعيدون بلادهم».
أيضاً، رأت بياتريكس فون ستورش ــ من حزب «البديل لألمانيا» المتطرف الذي حقق تقدماً ملحوظاً في الانتخابات المحلية في ألمانيا منذ عدة أشهر ــ أن فوز المرشح الجمهوري حدث «تاريخي».
هذه المواقف قد تعني أن تأثيرات فوز ترامب قد تتعدى تبدّل العلاقة الأوروبية ــ الأميركية لتطاول السياسة الداخلية لتلك الدول، في ظلّ فرح قادة اليمين المتطرف بالرئيس الجمهوري، خصوصاً أن حظوظ تلك الأحزاب في التقدم سياسياً والوصول إلى السلطة باتت مرتفعة.




تأرجح المصالح لدى الصين وروسيا

بالنسبة إلى الأقوياء في قارة آسيا، فإن سياسة دونالد ترامب الاقتصادية، التي ستخلق مزيداً من الضوابط على التبادل التجاري، قد لا تكون من مصلحة الصين. ومع أن وجود الرئيس الجمهوري الجديد في البيت الأبيض ليس إيجابياً لبكين، فإن مجلة «فورين بوليسي» الأميركية رأت في مقالة بعنوان «الصين ربحت الانتخابات الأميركية»، أن بكين مستفيدة كثيراً من رجل البيت الأبيض الجديد، لعدة اعتبارات.
من تلك الاعتبارات «المنافسة بين الديموقراطية والسلطوية»، لأن ترامب بالنسبة إلى الصينيين، يمثل كلّ «ما تعلمنا أن نخشاه في الديموقراطية»، الأمر الذي يعني أنه يثبت صوابية طريقة اختيار السياسيين في الصين.
الفصل الغامض الآخر من سياسة دونالد ترامب الخارجية يرتبط بموسكو، فقد أبدى في خلال حملته الانتخابية موقفاً أقل تشدداً من سلفه باراك أوباما، وحتى الموقف الأوروبي من روسيا، بل اتُّهم الكرملين بدعم حملة ترامب الانتخابية عبر تسريبات في «ويكيليكس» أو عبر الدعاية، وهو ما نفاه ترامب.
رغم ذلك، تبقى خطواته المقبلة بشأن الكرملين مجهولة، وهو ما يحبس الأنفاس في أوروبا الشرقية على وجه التحديد، خصوصاً بعدما لمّح ترامب، في سياق حديثه عن «الأطلسي»، إلى أن الولايات المتحدة في عهده لن تدافع عن أحد.
من جهة ثانية، لم تبتعد بعد التعليقات عن الإيحاء بأن فوز ترامب يعني أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد صار في البيت الأبيض. فقد كتب السفير الأسبق للولايات المتحدة لدى روسيا، مايكل ماكفول، على «تويتر»: «بوتين تدخل في انتخاباتنا وربح».
أما بوتين، فهنّأ الرئيس الجديد، وعبّر عن أمله أن تعمل الولايات المتحدة وروسيا معاً للخروج من «الأزمة التي تمر بها العلاقات الروسية – الأميركية»، مضيفاً أنه يشجع حواراً بنّاءً بين موسكو وواشنطن مبنياً على «المساواة»، فيما علا التصفيق في مجلس الدوما عند إعلان فوز ترامب.