■ أين تكمن أهمية الانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية، ولماذا يبدو العالم منشغلاً بها أكثر من سابقاتها؟بالنسبة إلى انشغال العالم، هذا يرجع إلى حد ما إلى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وعولمة المعلومة. فأكثر موضوع يتحدث فيه الناس يتحول بحكم هذه التكنولوجيا إلى شيء تفوق أهميته الخيال.
لكن هذا لا يجعل من هذه الانتخابات حدثاً قليل الأهمية، ولا يجب إغفال أمور أخرى، أهمها الوضع العالمي الحالي ــ ريادية الدور الأميركي ــ وهو يبدو على حافة الهاوية، وهناك ما يشبه التحول نحو عالم جديد تتشارك أميركا مقوده مع دول ومؤسسات أخرى. ثم إن شخصية المرشح دونالد ترامب تثير فضول الكثيرين وتزيد من اهتمام الإعلام والعامة.
لكن من حيث الأهمية، فكما أشرت أعلاه، تبقى أميركا القوة العظمى في عالمنا اليوم، وكل ما يطرأ عليها من تغيير يهم العالم. فالرئيس المقبل سيواجه عدّة تحديات سواء من حيث الإرهاب الدولي، وصعود روسيا في أوروبا والشرق الأوسط، والصين في شرق آسيا، وانكماش الاقتصاد العالمي، إلخ. لذلك تشد هوية الرئيس المقبل اهتمام فئات كبيرة من سكان العالم.
قد تطالب كلينتون
تونس والمغرب بتطوير العلاقات مع إسرائيل

■ هل توافق على أنّ هذه الانتخابات غير اعتيادية نظراً إلى شخصية كل من المرشحين، ترامب وهيلاري؟
هذه أول مرة تصل سيدة إلى نهائيات سباق الانتخابات الأميركية، وهذا لوحده يجعل الانتخابات غير اعتيادية. فيما جعلت الفضائح المتعددة لهيلاري كلينتون منها شخصية منبوذة عند فئة كبيرة من الشعب الأميركي، ما سيجعلها ــ في حال انتُخبت ــ رئيسة ذات دعم محدود وبإدارة ضعيفة.
كما أنها أول مرة يتقدم فيها مرشح لا خبرة له في السياسة، ولا يجمع حوله حزبه، ما يشكل استثناء آخر. ثم إن شخصية ترامب الملوّنة وارتجاله المتواصل يجعلان منه ــ لو تم انتخابه ــ رئيساً لا يمكن توقع تقلباته.
ثم إن الاختلاف الجذريّ بين المرشحين يجعل المستقبل مختلفاً تماماً، سواء وصلت الأولى أم وصل الثاني إلى البيت الأبيض. كما أن هذه المرة الأولى التي يأتي فيها مرشح (ترامب) بهذا الكم القليل من المساندة من طرف الشخصيات النافذة في عالم السياسة والمال الأميركيين، وبهذا العدد من المستشارين غير المعروفين، ويولّد هذا الحجم من الكراهية لدى الدبلوماسيين والموظفين السامين في القطاع العام الأميركي والأكاديميين.
من جهة أخرى، فإن مشاكل هيلاري الصحية من جهة، وتحقيق مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي حولها حتى آخر أسبوع من الحملة الانتخابية، يجعلها كذلك شخصية مثيرة للجدل أكثر ممن سبقها من المترشحين.

■ كيف تتابع دول المغرب العربي مجريات هذا الاستحقاق، وهل سيكون للنتائج تأثير مباشر على هذه الدول، وعلى تونس بصورة خاصة؟
لم تبرز دول شمال المغرب العربي سوى مجازاً في خطابات المرشحين، إلا في ما يخص ليبيا بسبب اغتيال سفير أميركي فيها (2012)، وهو ما اعتبره كثيرون من مسؤولية هيلاري، وكذلك لدورها غير المباشر في تدمير الدولة هناك لمّا كانت وزيرة للخارجية.
ونلاحظ تحفظاً حول هيلاري من جانب القوات المسيطرة على الشرق الليبي، وهي القريبة من دوائر القرار المصرية التي تحبّذ صعود ترامب، في حين تفضل أغلب قيادات القوات المسيطرة على الغرب، والقريبة من الإسلاميين، هيلاري.
أما سلطات الجزائر، المتحفظة دائماً من التدخل الغربي في المنطقة، فتبدو متحفظة تجاه هيلاري. لكن في المغرب، وبحكم علاقات "المخزن" الوثيقة مع الإدارة الديموقراطية، وعلاقات العائلة المالكة بمؤسسة كلينتون وبالزوجين كلينتون، وكذلك بسبب العلاقة التي نسجها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم مع هيلاري والإدارة الديموقراطية، فتبدو هي المفضلة.
أما في تونس، فنجد الانقسام التقليدي ما بين أنصار الترويكا سابقاً (النهضة الإسلامية وبعض الأحزاب والحركات الأخرى) المحبذين لهيلاري، وأنصار نداء تونس والنظام السابق المفضلين لترامب.
يبقى أن جزءاً كبيراً من دعاة الديمقراطية وناشطي حقوق الإنسان وحقوق المرأة خصوصاً في البلدان الأربعة المذكورة أعلاه، لا يخفي إعجابه بهيلاري.
في حال وصول هيلاري، فإنها ستركز على تونس مع المغرب كمثال على نجاح سياستها في المنطقة. ما يعني أن سياستها ستكون استمراراً لسياسة أوباما، لكن إلى حدود أكبر، وسوف تدفع لتصبح تونس حليفاً أميركياً رئيسياً مثل المغرب، وتغدق من المساعدات الموجهة لنشر الديموقراطية ولتنمية حقوق المرأة، ولكنها ستطالب البلدين بانفتاح اقتصادي أكبر، وبمشاركة أضخم في الحرب على الإرهاب، وربما بتوطيد العلاقات أكثر مع إسرائيل. كما أنها سوف ترفع من حجم التدخل العسكري في ليبيا، خصوصاً لحماية تونس وأوروبا، ما سيجعل من تونس كذلك مرتكزاً لهذه الحرب، وقد تصعّد من الضغوطات على الجزائر لأجل انفتاح سياسي واقتصادي أكبر. مع ترامب في المقابل، فسوف يختفي المغرب العربي تدريجياً من أولويات الإدارة، إلا في ما يخص التعاون الأمني. سوف يرافق رئاسته عودة الحديث عن أن العرب لا يستحقون الديموقراطية، وأن قبضة الحديد هي الحل.

■ ختاماً، كيف تصف عهد أوباما فيما يخص العلاقة بدول المغرب العربي؟ هل نجحت إدارته في تخطي الحضور الفرنسي التاريخي في هذه المنطقة؟
لم تتخطَّ إدارة أوباما الحضور الفرنسي التاريخي المتغلغل، ولكنها حققت أشواطاً كبيرة، خصوصاً في تونس التي أصبحت بمثابة الحليف الأميركي الأوثق في المنطقة بعد المغرب. ويمكن القول إن هذه الإدارة نجحت في سياستها تجاه تونس والمغرب، ولكنها فشلت في فتح قنوات اتصال جدية مع الجزائر، كما أنها تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية تدمير ليبيا.