«أنا مسيحي، محافظ، وجمهوري، بهذا الترتيب»، هو شعار مايك بنس، السياسي الأميركي وحاكم ولاية إنديانا الذي اختاره المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، كنائب له في سباقه نحو البيت الأبيض.ولد مايكل ريتشارد بنس، المعروف بـ«مايك بينس»، في حزيران 1957 في مدينة كولومبوس بولاية إنديانا لأبوين ينحدران من أصول إيرلندية. حصل على شهادة في التاريخ من «هانوفر كوليدج» عام 1981، وشهادة الدكتوراه في القانون عام 1986 من كلية القانون في جامعة «إنديانا روبرت ماكيني».
بعد إخفاق مرتين في الحصول على مقعد في الكونغرس الأميركي في عامي 1988 و1990، عمل بنس كمحاور ومذيع في التلفزيون والراديو. في عام 2000 فاز بانتخابات الكونغرس ليصبح ممثلاً لولايته إنديانا، وأعيد انتخابه لولايات أخرى على مدى 12 عاماً. ترأس مؤتمر مجلس النواب في «الحزب الجمهوري»، وهو المنصب الثالث من حيث الأهمية في هرم قيادة الحزب، من عام 2009 إلى 2011، ما جعله مقرّباً من عدد كبير من الأعضاء البارزين في «الحزب الجمهوري». تمّ انتخابه عام 2013 ليشغل منصب حاكم ولاية إنديانا.
يُعرّف عنه بأنه رجل «يميني في حزب يميني»، لا يؤمن بـ«نظرية التطور» ويشدّد على القيم العائلية التقليدية، ويقول إنه يُدخل التعاليم الدينية المحافظة في كل مجالات حياته، حتى في السياسة. وقد اشتهر بمواقفه المتشددة تجاه عدد من القضايا الاجتماعية مثل الإجهاض، الذي يعارضه بشدّة وأصدر قانوناً يقيّده في ولايته. كذلك أثار بنس جدلاً كبيراً بعد إصداره عام 2015 قانون «حرية الأديان» الذي يسمح للمؤسسات وأصحاب الأعمال في ولاية إنديانا عدم التعامل مع مثليي الجنس «انطلاقاً من قناعاتهم الدينية»، الأمر الذي اعتبره المدافعون عن حقوق المثليين «تمييزاً» ضد فئة من المجتمع الأميركي تمّ الاعتراف بحقوقها كاملة من قبل المحكمة العليا.
كما أنه لا يؤمن بـ«التغير المناخي»، وكان قد صرّح في السابق أنه «على الرغم من هستيريا الطبقة السياسية ووسائل الإعلام، فإن التدخين لا يقتل»، ليتبين في ما بعد أنه حصل على مبالغ بقيمة مئة ألف دولار على شكل تبرعات لحملته الانتخابية من قِبل شركات التبغ في عام 2000.

ترامب وبنس… تحالف الضرورة

«معاً سنصنع التاريخ، معاً سنستعيد الحلم الأميركي، لقد حان الوقت لذلك، معاً سنجعل أميركا عظيمة مجدداً»، هي العبارة التي نشرها الموقع الرسمي لحملة ترامب بعد تعيين بنس نائباً. هذا الاختيار كان «مفاجئاً» لعدد كبير من الجمهوريين، خاصةً أن المرشح الجمهوري ونائبه لا يتفقان حول عدد من المواضيع الجوهرية التي بنى ترامب شعبيته عليها. فبنس الذي كان من الداعمين الأساسيين لتيد كروز في الانتخابات التمهيدية، وصف مقترح ترامب بحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة (الذي تراجع نسبياً عنه) بأنه «مهين ومخالف للدستور»، كما أنه أعلن تأييده لاتّفاقات التجارة الحرّة، مثل اتفاق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ (TPP) التي يعارضها ترامب.
كما أن لبنس مواقف عدائية تجاه روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وصفه بـ«الزعيم الصغير والبلطجي» الذي يُملي شروطه على «أعظم دولة في العالم»، الولايات المتحدة. أما في ما يخص سوريا، فقال بنس، الأسبوع الماضي: «إذا اختارت روسيا المشاركة واستمرت في المشاركة في الهجوم على حلب، عندها يجدر بالولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية لضرب أهداف للنظام السوري».
هذا الموقف المعادي لبوتين وسياسته في سوريا يتناقض بشكل كبير مع مواقف ترامب، الذي وصف بوتين بالرئيس «القوي» الذي « أعاد مجد روسيا» وطالب بتحسين العلاقات مع روسيا.
ولعل الاختلاف الأكبر هو في ما يخص الحرب على العراق. فترامب يشدد على معارضته لحرب العراق واستخدم مراراً تأييد منافسته الديموقراطية، هيلاري كلينتون، لهذه الحرب كذريعة لمهاجمتها. إلا أن بنس يُعرف عنه أنه كان من الداعمين الأساسيين لهذه الحرب وفي عام 2005 طالب بعدم وضع موعد لانسحاب القوات الأميركية من البلد. كما طالب بالمزيد من التدخل في الشرق الأوسط وزيادة ميزانية وزارة الدفاع والجيش وعارض مقترحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لإغلاق معتقل غوانتانامو.
بالرغم من هذه الاختلافات، إلا أن ترامب وصف بنس بأنه رجل خدم «بتميّز» في الكونغرس و«يتمتع بمهارات المسؤول التنفيذي الموهوب جداً». ورأى بنس في ترامب «شخصاً أدرك إحباطات الأميركيين العاديين... وسيكون زعيماً قوياً يقف بجوار حلفاء أميركا ويدمر أعداء حريتنا». وكلاهما يعارض الاتفاق النووي مع إيران، ويعتبره بنس لا يصب في مصلحة أميركا ولا حليفتها إسرائيل، التي أعلن تأييده لها ولحقها في «مهاجمة أهداف» بإيران لمنعها من «تطوير أسلحة نووية»، ودافع عن استخدامها «القوة المفرطة» في قطاع غزة.
ووفق المراقبين، فإن اختيار ترامب لبنس «موفق» وسيعيد «بناء الجسور» في «الحزب الجمهوري». فالجمهوري «الهادئ» سيساعد ترامب في كسب ثقة المحافظين «التقليديين» الجمهوريين، وخاصةً «الإنجيليين»، وسيقلل من حدّة التوتر بين ترامب والزعماء الجمهوريّين في الكونغرس والمجموعات المحافظة النافذة وشخصيّات أخرى في الحزب أعربت عن قلقها وحذرها من «جنون» ترامب. وهذا ما أكّده، مثلاً، رئيس مجلس النوّاب الأميركي، بول راين، الذي علّق على اختيار بنس بالقول: «نحتاج إلى شخص ثابت وراسخ في مبادئه، شخص يستطيع وضع حدّ للترّهات وترسيخ مبادئ المحافظين. ومايك بنس هو الرجل المناسب لذلك».