يخال البعض أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية يُنتخَب كسائر الرؤساء في الأنظمة الرئاسية مباشرة من الشعب عبر الاقتراع العام. وإذا كان هذا الأمر قد بات في الغالب حقيقة من الناحية السياسية والتجربة المعاينة، لكنه يفتقر إلى الدقة من المنظار الدستوري الصرف. فالانتخابات الرئاسية الأميركية تمر بمراحل متعددة بالغة التعقيد، وهي تعكس الطبيعة الفدرالية للنظام بحيث يجب التوفيق بين مبدأ حكم الأغلبية من جهة، وتأمين مشاركة جميع الولايات التي يتشكل منها الاتحاد من جهة ثانية.تتعلق المرحلة الأولى باختيار المرشحين، وهي مرحلة داخلية في كل حزب، لذلك لا يوجد في الدستور أحكام ترعاها، بل يترك تنظيمها للتشريعات التي تختلف من ولاية إلى أخرى. أما المرحلة الثانية، فهي تلك التي ينظمها الدستور وتتعلق بانتخاب الرئيس.
تجري الانتخابات نهار الثلاثاء الذي يلي أول اثنين من شهر تشرين الثاني. وقد اعتُمد هذا التاريخ سنة 1845، وذلك كي يتوافق في دولة زراعية كبيرة كالولايات المتحدة بين آخر موسم الحصاد وقبل مشقات فصل الشتاء كي يتمكن الناخبون من التنقل للتصويت. لا يُنتخب الرئيس عبر الاقتراع المباشر بل بواسطة الناخبين الرئاسيين (Grand electors)، إذ ينتخب الناخبون في كل ولاية عدداً من الناخبين الرئاسيين مماثلاً لعدد الشيوخ والنواب في تلك الولاية. فولاية فلوريدا مثلاً لديها 25 نائباً في مجلس النواب الأميركي (أو مجلس الممثلين) وشيخين في مجلس الشيوخ، لذلك تحصل على 27 صوتاً انتخابياً. وهكذا في كل الولايات، بحيث يوجد ما مجموعه 538 صوتاً للناخبين الرئاسيين (535 للولايات وثلاثة أصوات لمقاطة كولوبيا حيث العاصمة التي لا يوجد ممثلون لها في الكونغرس الأميركي). بغية الفوز بالانتخابات، على المرشح أن ينال الغالبية المطلقة من الأصوات الانتخابية، أي أن يقترع له 270 ناخباً رئاسياً على الأقل. ويترك الدستور الأميركي الحرية لكل ولاية في تحديد طريقة انتقاء الناخبين الرئاسيين.
وإذا باتت الانتخابات الطريقة الشائعة اليوم، لكنها في الماضي كانت مختلفة، إذ كانت المجالس التشريعية في كل ولاية تتولى بنفسها انتخاب الناخبين الرئاسيين. وحتى مع انتخاب الناخبين الرئاسيين مباشرة من الشعب، يختلف النظام الانتخابي من ولاية إلى أخرى، لكن مع أرجحية كبيرة للنظام الأكثري بحيث يفوز من يحصل على الغالبية في ولاية ما بكل الأصوات الانتخابية المخصصة لتلك الولاية. وهذا ما يفسر إمكانية فوز مرشح ما رغم حصول منافسه على أصوات شعبية أكثر. وقد حصلت هذه الظاهرة ثلاث مرات، سنة 1876، وسنة 1888، وأخيراً سنة 2000 عندما فاز جورج بوش الابن على آل غور.
يعلن الناخبون الرئاسيون قبل الانتخابات نيتهم بالتصويت لهذا المرشح أو ذاك، لذلك يعلم الجميع نتيجة الانتخابات بعيد إقفال صناديق الاقتراع، إذ بات من شبه المستحيل سياسياً قيام ناخب رئاسي بالتصويت لمرشح مختلف عن ذاك الذي التزم التصويت له علانية، ما يجعل الانتخابات الرئاسية تجري من الناحية العملية مباشرةً، وعلى درجة واحدة، بينما تظل شكلاً فقط على درجتين.
ولا شك في أن هذا النظام الفريد مردّه إلى الخلاف الذي وقع عند صياغة الدستور سنة 1787 بين من دافع على انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، ومن أراد انتخابه في الكونغرس. وقد جرى تبني هذه الطريقة كحل وسط يرضي الجميع، إذ رُفضَت فكرة الانتخاب الشعبي، نظراً إلى التشكيك السائد وقتها بقدرة الشعب على تحمل تلك المسؤولية.
المرحلة الثالثة، وهي تتعلق بالاختيار الفعلي للرئيس. في أول اثنين يلي ثاني أربعاء من شهر كانون الأول، يجتمع الناخبون الرئاسيون في عاصمة ولايتهم، وينتخبون الرئيس ونائب الرئيس، ومن ثم ترسل كل ولاية أصواتها في صندوق مختوم إلى مجلس الشيوخ. وفي السادس من كانون الثاني، وعند الساعة الواحدة بعد الظهر، يجتمع مجلسا الشيوخ والنواب في جلسة مشتركة تجري خلالها عملية فرز الأصوات واحتساب مجموع ما ناله كل مرشح بغية إعلان الفائز. وإن لم ينل أيٌّ من المرشحين الغالبية المطلقة (أي 270 صوتاً)، يوكل الدستور الأميركي مهمة انتخاب الرئيس إلى مجلس الممثلين الذي عليه أن يختار بين المرشحين الثلاثة الذين نالوا أكبر عدد من الأصوات الانتخابية، وقد حدث ذلك أكثر من مرة في الماضي (سنة 1800 مع انتخاب توماس جفرسون، وسنة 1824 مع انتخاب جون أدامز).
يتولى الرئيس سلطاته حسب الدستور في 20 كانون الثاني، وتدوم ولايته أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، علماً أن الدستور يشترط فقط في المرشح أن يكون مواطناً أميركياً بالولادة أتم الـ 35 من العمر وأقام في الولايات المتحدة لفترة 14 سنة.