"الدول القوية تحطّم حقوق الإنسان لتحقيق مصالحها الأنانية"، قال النائب الجنوب افريقي، رئيس لجنة العلاقات الدولية في الموتمر الوطني الأفريقي (الذي يمثّل الغالبية البرلمانية في جنوب افريقيا)، اوبيد بابيلا، مطالباً بتعليق عضوية بلاده في المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف أن "المبادئ التي دفعتنا الى طلب العضوية في المحكمة الجنائية الدولية ما زالت قائمة، لكن تلك المحكمة ضلّت طريقها ولم تعد تعمل ضمن تلك المبادئ".
لم تمثّل إسرائيل تهديداً آنياً للجانب الروسي والعكس صحيح

وأشار رئيس جنوب افريقيا، جاكوب زوما، إلى أن "هذه المحكمة تستهدف الدول الأفريقية دون غيرها، وكأن العدالة تعني الأفريقيين دون غيرهم". وأيّد جميع أعضاء المؤتمر الوطني الافريقي، الذي كان الرئيس الراحل نيلسون مانديلا، الذي ناضل ضد العنصرية والاستعمار، أحد أبرز قادته، تعليق عضوية جنوب افريقيا في المحكمة الجنائية الدولية. وشرحت وزارة الخارجية الجنوب أفريقية، في بيان، أن "هناك تناقضا بين واجبنا لحلّ النزاعات بسلام، وعمل المحكمة الجنائية الدولية".
وبعد نقاش مستفيض، قررت جنوب افريقيا امس تعليق عضويتها في المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة تعبّر عن مأزق "العدالة الدولية" إذ إن هذه الخطوة، وهي الاولى من نوعها منذ تأسيس المحكمة عام 1998، قد تدفع بدول افريقية أخرى الى السير بالمسار نفسه. فمن بين 34 دولة افريقية وقّعت نظام المحكمة (نظام روما)، يبدو ان كينيا، التي زارها الرئيس زوما اخيراً، تنوي تعليق عضويتها. أما بوروندي وناميبيا، فأعلنتا عزمهما على تعليق عضويتيهما. هذا وكان الاتحاد الافريقي قد ناشد الدول الافريقية عدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية "لأنها تمارس التمييز العرقي بحق افريقيا من خلال فشلها في محاكمة مشتبه بهم بارتكاب جرائم حرب في أماكن أخرى من العالم".
وكان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية قد أصدر مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوداني، عمر البشير، عام 2009 بعد اتهامه بارتكاب جرائم في دارفور، لكن السلطات الجنوب افريقية رفضت توقيف البشير اثناء زيارته بريتوريا عام 2015 بحجة ان ذلك يتعارض مع القوانين المحلية، وقد يؤدي الى "تغيير النظام" في السودان. ويعدّ رفض جنوب افريقيا اعتقال البشير بداية توتر العلاقات بين جنوب افريقيا والمحكمة الدولية.
المحكمة الجنائية الدولية التي بدأت عملها عام 2002، تنظر حالياً بعشر قضايا جنائية منها ثمانٍ في افريقيا: اثنتان احيلتا على المحكمة من مجلس الامن الدولي (سودان وليبيا)، وأربع بطلب من حكومات تلك الدول (كونغو وجمهورية افريقيا الوسطى واوغندا ومالي)، واثنتان بقرار من المدعي العام الدولي (كينيا وساحل العاج). وما زالت المحكمة الدولية منذ عام 2011 تدرس طلب النظر في جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وابادة ارتكبها الاسرائيليون في فلسطين المحتلة، وذلك على الرغم من طلب الحكومة الفلسطينية في رام الله من المحكمة رسمياً التحقيق في تلك الجرائم.
"حقوق الانسان مهمة جداً بالنسبة الينا... لكن نريد نظاماً عادلاً يحميها"، قال بابيلا، بينما يبدو أن عمل المحكمة الجنائية الدولية تطغى عليه العدالة الانتقائية التي تحددها المصالح السياسية للدول القوية.