وقّعت الهند وفرنسا عقداً تشتري بموجبه نيودلهي 36 طائرة «رافال» حربية من مجموعة «داسو» الفرنسية، وذلك خلال مراسم قصيرة في العاصمة نيودلهي، يوم أمس، اختتمت معها تسعة أعوام من المساعي. ووقّع وزيرا الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، والهندي، مانوهار باريكار، بالأحرف الأولى من اسميهما الاتفاق الحكومي بعد مفاوضات شاقة منذ نيسان 2015. وبعدما أبدت الهند لسنوات صعوبة في التفاوض، وافق أخيراً رئيس الوزراء، نارندا مودي، خلال اجتماع لمجلس الأمن الهندي، على توقيع الاتفاق لشراء 36 طائرة «رافال» بقيمة تصل إلى حوالى ثمانية مليارات يورو.
في المقابل، أعربت الحكومة الفرنسية عن ارتياحها للنتيجة التي تعتبرها نصراً دبلوماسياً. وعبر الوزير لودريان عن «اعتزازه الكبير» وارتياحه «للشراكة التي تربطنا منذ زمن طويل بالهند». وقال: «لا نطمئن فعلياً إلا بعد التوقيع، وهذا ما جرى اليوم»، في إشارة إلى التطورات الكثيرة التي شهدها هذا الملف التجاري. وفي بيان صدر بعد دقائق، رحب الرئيس فرنسوا هولاند، بـ«إقرار» الهند بـ«نوعية» صناعة الطائرات الفرنسية.
تأتي هذه الصفقة ضمن سعي الهند لتطوير برنامجها العسكري الذي أطلقه نارندا مودي قبيل توليه الحكم في عام 2014. وتخصص نيودلهي 150 مليار دولار للسنوات المقبلة لتعزيز قدرات سلاح الجو في مواجهة بكين وإسلام آباد.
وذكر مصدر من المشاركين في المفاوضات، لصحيفة «ميديابارت» الفرنسية، أن الحكومة الهندية أعطت الضوء الأخضر لشراء الطائرات الفرنسية، لأن الجيش الهندي قرر أن تكون «رافال» أساسية في نظام الردع النووي للهند. كما نقلت صحيفة «سانداي إكسبرس» البريطانية أن «قدرة الطائرات الفرنسية على حمل قنابل نووية» كانت أحد الأسباب الرئيسية في موافقة الهند أخيراً على الصفقة.
من المفترض أن تشتري نيودلهي معدات لتسليح «رافال» من إسرائيل

لكن الاقتصادي المتخصص في الشأن الهندي جان جوزف بوالو، قال لـ«ميديابارت»، إن «مسألة قدرة النقل النووي للطائرات لم تبرز إلا أخيراً على طاولة المفاوضات»، معتبراً أن «مدى صوابية هذا الخيار تستدعي التساؤل»، وخصوصاً أن «الهند بأسطولها الجوي الحالي متقدمة على باكستان».
لهذا، أوضح بوالو أن الهند سعت إلى شراء «رافال» لأسباب دبلوماسية، «فبعدما كانت منافستها الأساسية لسنوات هي باكستان، الهند اليوم مهووسة بالصين»، مضيفاً: «عقد الرافال يؤكد أن نيودلهي تريد الوقوف في وجه بكين التي تتسلح حالياً بمقاتلات سوخوي من الجيل الجديد وتعطيها أفضلية كبيرة في الجو».
وبرغم الاعتداء في 18 أيلول على قاعدة للجيش الهندي في كشمير، واتهام الهند باكستان بذلك، فإن الأولى لا ترى أن باكستان تشكل تهديداً فعلياً على أمنها، بل الخطر الآتي هو من الصين التي تحاول التقرب من إسلام آباد.
وبدأت الصين العمل على استثمار صناعي مع باكستان بقيمة 46 مليار دولار، وكذلك تصنع الدولتان معاً طائرة مقاتلة بمحرك روسي «جاي أف – 17». وهذا واحد من الأسباب التي من أجلها أرادت الهند امتلاك طائرات «رافال». لكن هذه الطلبية لن تسدّ تماماً حاجات سلاح الجو الهندي الذي يشكو منذ زمن طويل من تجهيزات غير كافية ومتقادمة، وهو لا يضم سوى ثلاثين سرباً من 18 طائرة، في حين أنه بحاجة إلى ما لا يقل عن 42 طائرة.
من جهة ثانية، ترى الحكومة الفرنسية أن عقد بيع طائرات «رافال» للهند هو «عقد القرن»، لكن وفق الاقتصادي بوالو، فإن ذلك ليس دقيقاً لأسباب عدة، أولها أن العقد الموقّع مع الحكومة الهندية هو عقد كفالة، أي أنه يضع فرنسا أمام ضغط مالي، في حال حدوث أي مشكلات عند تسليم الطائرات أو تشغيلها.
كذلك، فإن للهند روابط تجارية عسكرية مع أكثر من دولة، وخصوصاً روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا، وليس فرنسا حصراً، كما يوضح بوالو. ويتابع: «هذا أمر مؤسف، ولا سيما أن روسيا هي أحد أقرب الحلفاء العسكريين للهند... والحكومة الهندية تقوّي روابطها مع إسرائيل التي ستصبح المزود الأول بالأسلحة للهند، وتستفيد جيداً من صفقة الرافال».
في هذا الإطار، من المفترض أن يشتري الجيش الهندي معدات لتسليح «رافال» بقيمة 1.7 مليار يورو من إسرائيل. ومن هنا، فإن الهند اختارت طائرات شركة «داسو»، لا لأن فرنسا «قوية على الساحة الدولية»، بل لأنها قبلت «تقديم حسومات مالية في الصفقة»، وفق تقرير «ميديابارت»، الذي يوضح أن الهند استفادت من حسم مالي يصل إلى 750 مليون دولار.
(الأخبار، أ ف ب)