«تركيا وبروكسل تتصالحان وتتبادلان القبل»؛ قد تختصر هذه العبارة قراءة الصحف الغربية للاجتماع الأول، أول من أمس، بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والوزير التركي للشؤون الأوروبية، عمر جليك، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والتي ألقت بظلالها على العلاقات التركية ــ الأوروبية عامة، وعلى الاتفاق المثير للجدل بشأن «المهاجرين إلى أوروبا» خاصة.وفي ظل انتقاد تركيا للموقف الأوروبي «الضعيف» من محاولة الانقلاب، وتذمّر بروكسل من قانون «مكافحة الإرهاب» التركي وانتقاد الممارسات «القمعية» بحق المعارضين، وخاصةً الصحافيين والإعلاميين، شهدت العلاقات التركية ــ الأوروبية توتراً كبيراً في الأسابيع الماضية كاد أن يؤدي إلى انهيار الاتفاق المتعلق بملف «المهاجرين»، والذي بات ورقة حساسة (رابحة أو خاسرة) في يد الأحزاب السياسية المتشددة في دول الاتحاد الأوروبي.
ورأت الصحف الغربية أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى «تخفيف» حدّة التوتر بين تركيا والدول الأوروبية، بعدما قامت الأخيرة بتوجيه انتقادات لاذعة للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، و«لحملة الاعتقالات» التي قادها في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف تموز الماضي.
وقال وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسيلبورن، عقب اجتماع وزراء الاتحاد مع جليك، «على المستوى السياسي، نحتاج إلى تقارب وإلى تطبيع العلاقات. إنها أول مرة منذ محاولة الانقلاب التي نتحدث فيها بعضنا الى بعض، لا عن بعضنا البعض... كلنا نريد أن تستقر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ولكن علينا أن نعود إلى حكم القانون بأسرع ما يمكن».
في المقابل، أعرب جليك عن «خيبة أمل تركيا الشديدة» إزاء رد الفعل المبدئي للاتحاد الأوروبي على محاولة الانقلاب، إلّا أنه شدد على «تمسك أنقرة باتفاق المهاجرين»، مشيراً إلى «وجود توافق قوي بشأن التركيز الآن على تحسين التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي».
وكان الاتحاد الأوروبي قد انتقد باستمرار سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون، وتعالت المواقف المنددة بحملة الاعتقالات و«الإعفاءات من الخدمة» التي قامت بها الحكومة التركية. وجاء ذلك بالتزامن مع محاولات أنقرة «ابتزاز» الاتحاد الأوروبي «الذي لم يلتزم» ببنود اتفاق «اللاجئين والمهاجرين»، وقد استخدمت تركيا هذا الملف كورقة ضغط في وجه احتمال عدم إعطاء بروكسل تأشيرة الدخول لـ 80 مليون مواطن تركي إلى دول «شنغن» (أحد بنود الاتفاق الرئيسية، إلى جانب بند «واحد مقابل واحد» الذي يقول إنه في مقابل كل سوري يعاد من الجزر اليونانية إلى تركيا، سيتم استقبال سوري آخر من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي).
وفي حين شددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، على «ضرورة إعادة بناء حوار قوي» بين الاتحاد وتركيا، وأعربت عن «دعم الاتحاد لشعب تركيا ومؤسساتها في الأوقات العصيبة»، أعلن وزير خارجية النمسا، سباستيان كورتس، رفض بلاده انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مطالباً في المقابل بوجود «شراكة مميزة تعتمد على تحقيق المصالح المشتركة».
بدوره، عبّر وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه ريندرز، عن «تخوف» بلاده من «عدد الاعتقالات في تركيا والتطورات الخطيرة (التي) قد تكون نهاية حلم تركيا في الانضمام إلى الاتحاد».
وفي سياق الرد على المواقف الأوروبية، أعلن جليك أن مثل هذه التعليقات «تفتقر إلى الرؤية» و«تضع مستقبل أوروبا في خطر». أما في ما يخص «قانون مكافحة الإرهاب»، فقال إن من «غير العقلاني» أن تتوقع أوروبا من تركيا أن تغيّر القانون «في ظل الوضع الأمني في البلاد» ووجود تهديدات حقيقية من قبل «المنظمات الإرهابية»، من دون أن يستبعد في الوقت نفسه إدخال تعديلات على القانون في المستقبل عندما «لا تكون تركيا في خطر».
وبالرغم من تشديد دول الاتحاد الأوروبي على أهمية التقارب مع تركيا، والتخفيف إلى حد كبير من حدّة الانتقادات لسياسات الرئيس التركي، وخاصةً من قبل ألمانيا التي أقر وزير خارجيتها، فرانك فالتر شتاينماير، بأن تصريحات بلده «افتقرت رُبّما إلى التضامن الذي توقعته أنقرة منها» بعد الانقلاب، فإنّ صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية اعتبرت أمس، أن هناك «خلافات عميقة تحت السطح» مرتبطة مباشرة بالرئيس التركي الذي «يستخدم الانقلاب لمواصلة تضييق الخناق على المعارضة وتشديد قبضته على السلطة».
وإلى جانب ملف اللاجئين وتداعيات الانقلاب، فإنّ اعتراف البرلمان الألماني بالإبادة الأرمنية كان قد زاد من حدة التوترات مع تركيا، ما دفع بالأخيرة إلى حظر وصول النواب الألمان إلى قاعدة انجرليك العسكرية. لكن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أعلنت بعد لقاء عقدته أمس مع أردوغان: «أعتقد أن من الممكن أن تكون لدينا خلال الأيام المقبلة أخبار سارة» في ما يتعلق بالحظر المفروض، مشيرة إلى تحسن العلاقات بين البلدين و«وجود فرصة لتسوية الخلافات حول إعفاء الأتراك من تأشيرات الدخول إلى دول الاتحاد».
(الأخبار)