عند توليه منصب رئيس الوزراء الايطالي في عام 2014 بعد انقلاب داخل «الحزب الديموقراطي»، كان ماتيو رينزي يعي أنه رابع رئيس للوزراء يعيّن في البلاد في غضون ثلاث سنوات، وأن الأزمات السياسية والاقتصادية في إيطاليا قد تدفعه للمغادرة قبل انتهاء مدة ولايته، ولكنه أعرب في حينه، وهو يبتسم، عن اعتقاده بأنّ «ايطاليا لن ترى رئيساً آخر لبضع سنوات».رينزي، زعيم تيار يسار الوسط، نُظر إليه على نطاق واسع كقائد شاب قادر على إصلاح ايطاليا بعد عقدين من الحياة السياسية المتشنجة، لكن المستقبل اليوم يبدو أقل إشراقاً ويقيناً للعمدة السابق لمدينة فلورنسا، الذي أصرّ بصورة غريبة على ربط مصيره بنتائج الاستفتاء المقبل.
ومن المرتقب أن يصوّت الايطاليون في تشرين الأول على اصلاحات دستورية ستقيّد، على نحو كبير، من صلاحيات مجلس الشيوخ وستخفض عدد أعضائه من 315 إلى 100، سيجري تعيين غالبيتهم بدلاً من انتخابهم مباشرةً. بالنسبة الى رينزي، ستسهل التعديلات الدستورية عملية تمرير قوانين يمكن أن تحسن قدرة البلاد على المنافسة الاقتصادية في ظل أزمة مالية ومصرفية، وسيضع حداً للنظام السياسي الهش الذي منع الحكومات المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية من اكمال فترة ولايتها.
وبالرغم من أن الجو العام يشير إلى فوز رينزي في هذه المجازفة، فإنّ الأمور بدأت تزداد تعقيداً وخاصةً مع تفاقم أزمة المصارف، ودخول حركة «خمس نجوم» الرافضة للسياسات المحلية والمناهضة للمؤسسات في إيطاليا، التي هزمت رينزي في الانتخابات المحلية التي أجريت في حزيران في مدينتي روما وتورينو، المعركة، وذلك إلى جانب اصطفاف أحزاب المعارضة لرفض التعديلات الدستورية، وازدياد الغضب الشعبي من الفساد المستشري. وفي هذا الخصوص، حذّرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية من تصويت الإيطاليين ضد الحكومة التي تفقد شعبيتها يوماً تلو الأخر.
يُعتبر التصويت بمثابة انتخابات عامة وقد يوصل المعارضة إلى السلطة

بالنسبة لرينزي، الذي قال إنه سيستقيل إذا كانت النتائج سلبية، فإنّ الاستفتاء يجب ألا يُنظر إليه كاستفتاء عليه شخصياً بل كاستفتاء على مصير واستقرار البلاد، لكن الصحف ترى أن هذا التصويت هو بمثابة انتخابات عامة وسيفتح الباب أمام وصول المعارضة إلى السلطة، وخاصةً حركة «خمس نجوم» التي تدعو إلى إجراء استفتاء بشأن عضوية إيطاليا في الاتحاد الأوروبي. وفي حديث إلى «سي ان بي سي»، قال رينزي: «نحن في وضع ربما يسمح لحركة خمس نجوم بقيادة البلاد. على الايطاليين أن يفهموا ما معنى أن نقول لا في استفتاء على البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي … لقد تعلمنا ذلك من المملكة المتحدة».
على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، رأت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أنّ نتيجة الاستفتاء أكثر أهمية من استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد ينتج منه تفكك الاتحاد الأوروبي الضعيف أصلاً.

الأزمة الاقتصادية

إلى جانب صعود أسهم المعارضة المناهضة لأوروبا، فإنّ التصويت بـ«لا» على الاصلاحات التي طرحها رينزي سيزيد من حدّة المشاكل الاقتصادية والمصرفية المتراكمة في ايطاليا، وستنهار الحكومة وتدخل البلاد في أزمة سيساسية ستؤدي إلى ركود ونزوح رؤوس الأموال، ما سينعكس سلباً على الاتحاد الأوروبي ككل.
ولدى البنوك الإيطالية أكثر من 310 مليارات جنيه استرليني من الديون المهددة بالتعثر، التي بلغ حجمها لدى أقدم بنك في ايطاليا «مونتي دي باشي دي سيينا» 47 مليار يورو، اضافة إلى تراجع أسهم القطاع المصرفي بنسب تصل إلى 67% خلال الأشهر 12 الماضية. وقالت صحيفة «ذا ايكونوميست» إن معدل البطالة في إيطاليا، وهي رابع اقتصاد في أوروبا، هو الثاني بعد اليونان، وإن البلاد هي الأكثر ارتفاعاً للدين العام.
ووفق تقرير في مجلة «بوليتيكو» الأميركية، تقع على عاتق رينزي مهمة شاقة لإنقاذ القطاع المصرفي الإيطالي، باعتبار أن انهيار القطاع سيتسبب في انتشار الخراب عبر اقتصاد إيطاليا ومنطقة اليورو على نطاق أوسع.
ووفق كبير الاقتصاديين في معهد الإدارة في المملكة المتحدة، جيمس سبرول، فإن اقتصاد إيطاليا «قد يواجه حالة من الركود الدائم، وليس من المستبعد أن تتبع نهج المملكة المتحدة تجاه الاتحاد الأوروبي».
وتصف الصحافة العالمية الوضع الاقتصادى في إيطاليا بـ«القنبلة الموقوتة»، التي سيكون تأثيرها على القارة العجوز أكبر وأسوأ من استفتاء بريطانيا. ويرى المراقبون أن الاتحاد الأوروبي والعالم أجمع انشغل ببريطانيا ولم يعر الأزمة الاقتصادية والسياسية في إيطاليا أي اهتمام، بالرغم من أنه من شأن ايطاليا أن تمزّق أوروبا.




دعوات إلى التقارب بين الاشتراكيين واليسار الراديكالي

دعا رئيس الوزراء اليوناني اليكسيس تسيبراس، أول من أمس، الى التقارب بين الاشتراكيين واليسار الراديكالي لوضع حدّ لسياسة المعايير المختلفة في الاتحاد الاوروبي، وهو موضوع ستتم مناقشته أثناء قمة دول جنوب أوروبا في أثينا، في التاسع من أيلول المقبل.
وقال تسيبراس، في حديث صحافي، إنّ "الاشتراكيين وافقوا على اقتراحنا للحوار مع اليسار والخضر، ما يعتبر خطوة في غاية الاهمية". وأضاف أنّ "الاشتراكيين الديموقراطيين الاوروبيين تبنّوا سياسات ليبرالية جديدة منذ التسعينيات ويمرون حالياً بأزمة بسبب ذلك الخيار... ما يفتح أفقاً جديداً" من التعاون مع اليسار. ورأى أنّ "مسألة أوروبا ليست مسألة إيديولوجية فقط، بل هي مسألة معايير مختلفة"، موضحاً أنه "حان الوقت لبلدان الجنوب لتبحث عن سبل أكثر تشدداً للتدخل في السياسة الاوروبية".
وأكد تسيبراس أن هذا الاجتماع لن يهدف الى "تشكيل مجموعة لـ(دول) الجنوب، بل الى التعاون مع بلدان أخرى عند أطراف أوروبا لبحث موضوع التلاحم الاجتماعي واتخاذ مبادرات" من أجل معاودة إطلاق "النمو ومكافحة البطالة". وندّد مرة أخرى بـ"مبدأ المعايير المختلفة والمناطق الاقتصادية الخاصة لـ(فولفغانغ) شويبله" وزير المالية الالماني المدافع المتحمّس عن سياسات التقشف، معتبراً أنه "إن لم يتم التخلي عن هذا المبدأ، فإن أوروبا ستذهب نحو شفير التفكك".
(أ ف ب)