على الرغم من الدعوات المستمرة التي أطلقتها دول الجوار لإيجاد أرضية مشتركة بين طرفَي الصراع، كمدخل لتخليص البلاد من أزمتها الاقتصادية والسياسية الكبرى، فإن الطرفين يعتبران أنهما يواجهان مسألة حياة أو موت، حيث لا فرصة للحلول الوسط.في هذه الأجواء، تحضّر المعارضة لتنظيم تحرك جماهيري ضخم في الأول من شهر أيلول المقبل، شعاره الوحيد المطالبة بإقالة الرئيس مادورو وإقصاء الحزب الاشتراكي البوليفاري عن الساحة السياسية تماماً. وترى المعارضة أن الفرصة سانحة للانقضاض على السلطة، وذلك بناءً على معطيات عدة، أهمها التحولات السياسية اللاتينية التي أفقدت مادورو حليفين استراتيجيين، البرازيل والأرجنتين، وانعكست في موقف منظمة الدول الأميركية، التي أطلق أمينها العام، لويس ألمارغو، تصريحاً نارياً، وصف فيه فنزويلا بالبلد غير الديموقراطي الذي لا يعترف بحقوق مواطنيه. وانعكس هذا التحول التاريخي الذي تعيشه أميركا اللاتينية في منظمتها التجارية الإقليمية، «مركوسور»، حيث باتت كل من البرازيل والباراغواي تضيّق على فنزويلا، برفضهما تولي الأخيرة رئاسة التكتل.
يصف مسؤول اشتراكي الأول من أيلول بيوم مصيري سيحدد مستقبل البلاد

تحضيرات المعارضة لاقاها الحزب الاشتراكي بتصعيد مضاد، مؤكداً صموده أمام الحرب السياسية والاقتصادية التي تشنها عليه المعارضة المدعومة من الخارج. وبدأ مادورو تصعيد «الاشتراكي»، متوعداً معارضيه بمصير أسوأ من مصير انقلابيي تركيا؛ وتزامن هذا التهديد مع تسريح عدد من الموظفين الحكوميين الذين وقّعوا عريضة الاستفتاء الشعبي للدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. ودعا محافظ كاراكاس، خورخي رودريغس، أنصار الحزب الاشتراكي وعموم الفنزويليين إلى الجاهزية لملء الشوارع والساحات في الأيام المقبلة، معتبراً أن المعارضة تبتز الشعب بحرمانه لقمة عيشه ودواءه، بهدف الاستيلاء على السلطة.
وبرغم ذلك، فإنّ اليساريين يأخذون تحرك المعارضة على محمل الجد. ويصف مسؤول في الحزب الاشتراكي تاريخ الأول من أيلول بيوم مصيري سيحدد مستقبل البلاد. وكشف المصدر لـ«الأخبار» عن طمأنات تلقتها الحكومة الفنزويلية من القيادة العسكرية، أكدت فيها الأخيرة أنها لن تسمح بتهديد الاستقرار، وأنها حذرت جميع الأطراف من أن حقوق التظاهر والاحتجاج محفوظة، لكن أعمال الشغب والتقاتل في الساحات خط أحمر. وفي هذا الإطار، تحدث المصدر عن اهتمام غير اعتيادي أبدته «قوى دولية فاعلة» بالحفاظ على الأمن والاستقرار واحترام الأطر الدستورية في البلاد.
الطمأنات الداخلية والخارجية لم تبدّد قلق المراقبين الذين يرون انفلاتاً غير مسبوق في المواجهة بين المعارضة والحكومة. فانعدام فرص التسوية واستعراض قوة الشارع في نفس المكان والزمان يشيان بمرحلة صعبة تنتظر البلاد التي تعاني أصلاً أزمة اقتصادية خانقة، حيث باتت الطوابير الطويلة أمام المؤسسات الغذائية والطبية أمراً عادياً.
ويتساءل مراقبون عن إصرار المعارضة على الدخول في مغامرة غير محسوبة لإقصاء اليسار الذي، وإن كان مسؤولاً جزئياً عن الإخفاقات الداخلية، إلا أنه مدّ اليد للمعارضة، منذ اللحظات الأولى لفوزها الانتخابي، بمبادرة أطلقها مادورو من أجل الحوار تحت سقف المصلحة الوطنية، تبعتها مبادرات حثيثة لإنشاء شراكة وطنية بعيدة عن الحسابات الضيقة والتدخلات الخارجية. ويرى مراقبون أن إعلان المعارضة النفير العام للاستيلاء على السلطة، في هذا الظرف الحساس، يجرّ البلاد إلى حرب أهلية مفتوحة.