بعد نحو أسبوع على إعلان بلديات فرنسية حظر ارتداء لباس البحر «البوركيني»، لا يزال الجدل قائماً في فرنسا وخارجها، واضعاً السلطات التنفيذية بحالة من الارتباك، خصوصاً مع تفاوت الآراء داخل الحكومة.قضائياً، بدأ، أمس، مجلس الدولة في فرنسا، وهو أعلى سلطة قضائية إدارية، النظر في قضية حظر «البوركيني»، على أن يبتّ المجلس المؤلف من ثلاثة قضاة بعد يومين المسألة، ويحدد إطاراً قانونياً لها، خصوصاً أن سيدة مسلمة، على الأقل، تعرضت لمحضر مخالفة بسبب ارتدائها الحجاب على الشاطئ.
سياسياً، في تصريح له، أمس، على قناتي «بي أن أم تي في» و«أر أم سي»، رأى رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، الذي سبق أن أعلن دعمه لمنع «البوركيني» باسم «صون الأمن العام»، أن فرنسا ليست «في حرب على الإسلام... الجمهورية متسامحة (مع المسلمين) وسنحميهم من التمييز»، لكنه رأى أن «البوركيني دلالة سياسية لدعوة دينية تُخضع المرأة». وجاء تصريح فالس رداً على كلام وزيرة التربية، نجاة بلقاسم، التي رأت في حديث مع إذاعة «أوروبا 1»، أن «تكاثر» القرارات لحظر «البوركيني» غير مرحب بها، ووصفتها بـ«الانحراف السياسي» الذي «يطلق العنان للكلام العنصري». وتابعت بلقاسم، وهي من أبرز المنتقدين داخل الحكومة الاشتراكية لهذا الحظر، بأن تلك القرارات تضع الحرية الشخصية محطّ تساؤل.
وصفت وزيرة التربية قرارات الحظر بأنها عبارة عن انحراف سياسي
لكن فالس رأى أن كلام بلقاسم هو «تفسير سيئ للأمور»، لأن «القرارات اتخذت في إطار الأمن العام».
وقد رفعت «رابطة حقوق الإنسان» و«التجمع لمكافحة كره الإسلام» القضية إلى المجلس الدستوري بعد تصديق محكمة إدارية محلية على قرار يحظر «البوركيني» اتخذته إحدى مدن كوت دازور بحجة احترام «التقاليد والعلمانية». والقرار المذكور على غرار قرارات اتخذتها نحو ثلاثين بلدية، لا يتضمن صراحةً كلمة «بوركيني»، إذ ينص على منع أي «لباس لا يتوافق ومبدأ العلمانية ولا يحترم النظافة العامة». وعلى الرغم من عموميته، لكنه يستهدف أساساً لباس البحر الإسلامي الذي يغطي الجسد. ورأت المحكمة الإدارية أن هذا الحظر «ضروري ومتطابق ومتناسق» لتفادي تعكير الأمن العام بعد توالي الاعتداءات في فرنسا وبينها اعتداء نيس في 14 تموز. وعلى الرغم من هذه التبريرات القانونية، إلا أن «رابطة حقوق الإنسان» رأت أن هذه القرارات «تُسهم في شرعنة كل من ينظر إلى الفرنسيين المسلمين على أنهم جسم غريب عن الأمة».
واحتدم الجدل من جديد هذا الأسبوع، بعدما فرضت غرامة على سيدة واحدة على الأقل بسبب ارتدائها حجاباً يغطي شعرها على أحد شواطئ كوت دازور. وصدرت ردود أفعال منددة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام بعدما نشرت إحدى الصحف صورة امرأة محجبة تجبرها الشرطة على نزع قميصها.
وانتقد رئيس بلدية لندن، صديق خان، أمس، حظر «البوركيني» قبل زيارة لفرنسا، حيث التقى رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو. وقال خان في حديث لصحيفة «إيفننغ ستاندارد» اللندنية إنه «لا يحق لأحد أن يملي على النساء ماذا يجب أن يرتدين... الأمر بهذه البساطة». وأشار إلى أن مسائل الاستيعاب والتنوع هي في صلب لقائه مع رئيسة بلدية باريس الاشتراكية، وهو لقاء ينظم في إطار الاحتفالات بذكرى تحرير العاصمة الفرنسية عام 1944. من جهة ثانية، يعمل «تجمع لمكافحة كره الإسلام» على توثيق شهادات تتعلق بنساء محجبات تعرضن لمحضر مخالفة، فيما لم تكن أي منهن ترتدي فعلاً «البوركيني»، وفق التجمع الذي أعد حتى الآن 16 ملفاً بهذا الخصوص. كذلك، تظاهر عدد من الأشخاص مقابل السفارة الفرنسية في لندن، منددين بقرارات الحظر لأنها «إسلاموفوبية وذكورية».
يشار إلى أنه في عام 2010، أصدر مجلس الدولة رأيه في مشروع حظر النقاب، قائلاً إنه يجب أن يقتصر على بعض الأماكن العامة من إدارات ووسائل نقل وغيرها، وإن حظره كلياً «يفتقر إلى أساس قانوني». لكن الحكومة الفرنسية لم تأخذ برأيه. وأقر المجلس الدستوري حينها القانون الذي يحظر تغطية جسد المرأة كلياً في الأماكن العامة. ويمنع القانون الفرنسي اليوم على كل أراضي فرنسا إخفاء الوجه في الأماكن العامة ووضع رموز وارتداء ملابس تدل على انتماء ديني في المدارس الحكومية.
(الأخبار، أ ف ب)