مشاركة الفصائل في «البلديات»... الحساب على ميزان الذّهب

  • 0
  • ض
  • ض

غزة | قدمت الانتخابات البلدية، التي جرت للمرة الأولى في مناطق السلطة الفلسطينية عام 2005، مقاربة واقعية للمزاج الشعبي العام، وتحليلاً دقيقاً لمدى حضور الأحزاب الكبيرة والصغيرة في الشارع الفلسطيني.

فـ«حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس» مثلاً، حظيت بتعاطف وبقبول من الجمهور بعدما قدمت نموذجاً جاداً من العمل المقاوم في خلال سنوات الانتفاضة الثانية. وما زاد قبول الناس لها، تواصلها المباشر مع العائلات والعشائر، والتضحيات التي قدمها قادتها، بالإضافة إلى كونها حركة دينية... هذه الأسباب جعلت «حماس» خياراً شعبياً مقنعاً لدى مختلف الفئات.
في المقابل، حملت قوائم حركة «فتح» عبء عشر سنوات من تجربة الحكم. نسي الشارع فيها أنها «أم الجماهير» و«صاحبة الطلقة الأولى»، ليتذكر أنها صاحبة جهاز الأمن الوقائي، الذي قمع «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، فانتهت نتائج الانتخابات المحلية الأولى بفوز كاسح للحمساويين في معظم بلديات قطاع غزة، وحضور لافت في بلديات مهمة في الضفة المحتلة.
ذلك الزمن تغيّر، وتجربة «حماس» في الحكم جعلت بعض الأصوات تصدح ضدها، والاستناد إلى نتائج 2005 لا تعطي تقويماً حقيقياً للواقع الحالي. اهتمامات الناس تغيّرت بعدما خفتت حدة العاطفة الوطنية والدينية، وتصاعدت الهموم المعيشية بعد أكثر من عشر سنوات من الأزمات المركبة التي خلقها الحصار والانقسام، والحروب التي أعادت صياغة الأولويات بالنسبة إلى مليوني إنسان محاصرين في غزة.
أما في الضفة، فحالة الهمود الوطني في برنامج السلطة وتراكم أخطاء الحكم، إضافة إلى غياب أي اعتبار لمؤسسات الدولة بالنسبة إلى إسرائيل، التي عمدت إلى استباحة كل الخطوط الحمر المرسومة مع السلطة بعد توقيع اتفاقية أوسلو، قدمت كلها صورة مهزوزة قد تشكل تحدياً لا يقل شراسة عن التحديات التي تواجه «حماس». ومع غياب استطلاعات رأي تشير إلى المزاج الشعبي، فإن نتائج انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية قد تكون نافذة لقراءة المزاج العام.
ففي الضفة، التي تتميز بحدّ أدنى من الديموقراطية غير الموجودة في غزة بعد سيطرة «حماس» عليها عام ٢٠٠٧، فازت كتلة الحركة الطلابية خلال السنتين الماضيتين في انتخابات مجلس طلاب جامعة بيرزيت (أكبر جامعات الضفة)، مقابل إخفاق «كتلة الشهيد ياسر عرفات» (فتح)، في تحقيق أي إنجاز سوى اكتساحها مجلس طلاب جامعة أبو ديس، لأن «حماس» لم تشارك في تلك الانتخابات أصلاً! مع بعض الاستثناءات التي لعبت فيها عوامل أخرى دورها. أما في غزة، فقد سيطرت «الكتلة الإسلامية» (حماس) لسنوات على مجلس طلاب الجامعة الإسلامية عبر فوزها به بالتزكية، مقابل تعطّل إجراء أي انتخابات لمجلس الطلاب في جامعة الأزهر (تابعة لفتح).
بناءً على ذلك، وحتى الآن، لا يوجد تصور موضوعي لحضور الحركتين الجماهيري، ولا يكفي الاستناد إلى نتائج الانتخابات الطلابية؛ كلتا الحركتين تمتلك أسباباً عدة لتنخفض أسهمهما في عيون الناس.


عباس يجد في
الانتخابات وسيلة إلهاء
عن نفير الانتفاضة

وما كان القبول بدخول معركة انتخابية جديدة، إلا بعدما وازن الطرفان ما لهما وما عليهما بميزان من الذهب. أولاً، «حماس»، التي لم تمّر تجربتها في الحكم في غزة بظروف مثالية، ستقدم لها نتائج الانتخابات صورة أوضح عن مستوى حضورها بعد عشر سنوات من الحصار والاحتكاك الحاد مع الشارع الغزي. وهي لا ترى في الانتخابات البلدية إلا إمكانية تحقيق المزيد من المكاسب في الضفة حتى لو خسرت بلديات في غزة، لأنه أمر لن يؤثر في حكمها.
أيضاً، قدمت تجربة حكومة التوافق (بدءاً من نيسان 2014) عينة عمّا قد تصل إليه الأمور في حال فوز «فتح» ببعض المجالس في القطاع، فوزراء «التوافق» لا يسيطرون على أي وزارة، لأن السيطرة الفعلية هي لأجهزة «حماس» الأمنية. لذلك ترى الحركة أن خسارة بعض المجالس لـ«فتح» قد يزيح عنها جزءاً من المسؤولية، خصوصاً إذا تسلمت الأخيرة بلديات فقيرة لا تكاد تؤمن رواتب موظفيها، مع حضور إمكانية أن تزيد بعض المشروعات الدولية.
في المقابل، تأمل «فتح» تحقيق إنجاز بلدي في انتخابات غزة، معتمدة على النقمة الشعبية الناتجة من سنوات الحصار والحروب والأزمات المتجددة كالكهرباء والماء والسفر. لكن الواقع التنظيمي داخلها والمنقسم بين تيار الرئيس محمود عباس، وخصمه الطموح محمد دحلان، تعمّق الهوة بين أنصار الرجلين، خصوصاً بعدما أقدم عباس على قطع رواتب كل من يظهر ولاءً لدحلان الذي ازداد حضوره في القطاع.
وصعود دحلان جاء نتيجة التهميش الذي لاقاه الجسم التنظيمي لـ«فتح» من جهة أبو مازن، فضلاً عن ترويج «أبو فادي» لنفسه، بأنه «المخلص» الذي سيرتقي بالحركة بعد انحدارها منذ إصرار الرئيس عباس على عقد الانتخابات التشريعية في ذروة صعود نجم «حماس» عقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة (2006)، ثم اتهامه بتسليم غزة للحمساويين على طبق من ذهب في أحداث 2007.
ومع ضبابية المشهد الفتحاوي في الانتخابات المقبلة، وغياب معرفة دقيقة بقوة التيار الدحلاني في غزة، فقد تكون الحركة على موعدٍ مع كابوس يشبه ما عصف بها في بعض الدوائر الانتخابية التشريعية عام 2006، التي كان التقدير أنها محسومة لها بحكم ضخامة حضورها العشائري هناك، لكن التجاذبات داخل الحركة دفعت أنصارها إلى انتخاب كتلة «حماس» تعبيراً عن سخطهم التنظيمي.
ومع أن التحالف بين فصائل «منظمة التحرير» من جهة، والفصائل الإسلامية من جهة أخرى، قد يشكل صورة المشهد الانتخابي المقبل، لكن ذلك لن يرجّح الكفة لمصلحة «فتح» أمام الماكينة الانتخابية العملاقة التي ستستند إليها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في حال تشكيلهما قائمة واحدة. وفي «فتح»، ثمة من يقول إن أولويات عباس هي السلطة الوطنية وليس الحركة، نظراً إلى القرارات التي اتخذها. وهو بالنسبة إليهم أبعد ما يكون عن التصرف كقائد فتحاوي. كذلك إن تحديد عباس موعد إجراء الانتخابات ليس في مصلحة «فتح» تنظيمياً، وتصرفه القاسي مع دحلان وأنصاره أحدث انشقاقا في صفوف الحركة، لن يكون لمعركة الانتخابات المقبلة أي تأثيرات إيجابية فيه.
عموماً، تظهر الوقائع أن المكاسب التي يطمح عباس إلى تحقيقها بإجراء الانتخابات في وطن منقسم ستعود بالنفع على السلطة، التي عبرت بوقاحة عن رفضها الأسلوب النضالي الذي يمارسه الشبان في «انتفاضة القدس»، لذلك، يرى الرجل في هذه الانتخابات ــ ستتخذ طابع معركة تشارك فيها مختلف الأحزاب الوطنية والإسلامية ــ وسيلة إلهاء تغير أولويات الخطاب الوطني تمهيداً للخروج من استمرارية النفير الذي أحدثته الانتفاضة.

  • وتراهن «فتح» المنقسمة على معاناة الغزيين و«حماس» الموحَّدة على الانتفاضة

    وتراهن «فتح» المنقسمة على معاناة الغزيين و«حماس» الموحَّدة على الانتفاضة (أي بي أيه )

0 تعليق

التعليقات