من موقعه على رأس دولة وسلطات مختلفة، بدأ رجب طيب إردوغان، في اليومين الماضيين، انقلابه المضاد لاسترجاع نفوذه وقوة حكمه، مستعيناً بلغة سياسية (تطهير وفيروس وسرطان) كنا نعتقد أنها لا تليق بدولة حديثة كانت تريد الانضمام في قرننا هذا إلى الاتحاد الأوروبي.بدا الزعيم التركي مطلقاً عمله دون أطر وبلا رادع، ومستكملاً بصورة إرادية ربما صور الإذلال التي تعرّض لها جنود كانوا ضمن المجموعات «المنقلبة»، على أيدي مناصري «حزب العدالة والتنمية» وغيرهم من الأتراك في شوارع اسطنبول. وقد يكفي الوقوف أمام صورة الزعيم (المفترض) للانقلاب قائد القوات الجوية سابقاً، الجنرال أقين أوزتورك، لرؤية كيف كان يجرّه بعض عناصر الشرطة مكبّل اليدين إلى الخلف لإدراك حجم الإذلال الذي تتحضّر له شخصيات العمل الانقلابي، والتي يبدو أنها ستواجه احتمالات الإعدام كترجمة لسياسة «دفع الثمن باهظاً» التي توعد بها إردوغان خصومه (بل أعداءه؟).
لا شك أنّ السؤال حول كيفية تلقي الجيش كمؤسسة لها تقاليدها وكأفراد لصور كهذه. سؤال مشروع لمتابعة دينامية الأزمة التركية في الأيام المقبلة. ومن المرجح أن تتسع أطر هذه الأزمة لأنّ التوقيفات والاعتقالات لم تقف (حتى الساعة) عند اعتقال نحو ثلاثة آلاف جندي ونحو 34 جنرالاً برتب مختلفة «غالبيتهم من الشخصيات الشديدة الرمزية في الجيش على غرار قائدي الفيلق الثالث، اردال اوزتورك، والفيلق الثاني»، بل وصلت إلى قضاة ومدّعين.
بصرف النظر عن السيناريوات المحتملة للأزمة الداخلية التركية الجديدة والتي بدأت ليل الجمعة/ السبت بمحاولة الانقلاب العسكري على سلطة إردوغان وتوجهاته، فإنّ حال دولة القانون في تركيا في عهد «الزعيم الأوحد» لم يكن ينقصها ربما إلا محاولة انقلابية كهذه، لينشر حاكمها الذي يحيا على الخوف، الرعب في ظل إطلاقه الانقلاب المضاد. هذا الحاكم الذي يحضّر لانتقامه، والذي قد يكون هو نفسه ذاك «المجنون الذي في حال أراد الانتقام، هزّ العالم»، واجهه حلفاؤه الغربيون بلغة تحذيرية واضحة، جاءت من فرنسا عبر طلب احترام دولة القانون لأن الانقلاب لا يعطي «شيكاً على بياض» له من أجل تنفيذ حملة «تطهير».
في الأيام المقبلة، لن يقتصر دافع متابعة الأزمة التركية المرجحة، على تقديم أدلة حول ما يمكن لإردوغان فعله خلال حفلة الانتقام، فقد سبق له أن قدّم على مدى الأعوام الأخيرة في هذا الشرق، إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، معالم كافية لفهم صورة «صناعة الديكتاتور». لعلّ الهدف الأول من المتابعة هو أنّ تلك الأزمة الداخلية قد تفقد تركيا عناصر قوة إزاء حلفائها الغربيين، لتستحيل ربما إلى ما قد يشبه ذلك «الرجل (العثماني) المريض»، الذي لا نزال حتى اليوم ندفع ثمن تداعيات موته.