لم تسارع إسرائيل إلى اتخاذ موقف من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، بل انتظرت نحو 15 ساعة من بداية الحراك العسكري، حتى أعلنت موقفاً رسمياً عبر بيان صادر عن وزارة الخارجية، أكدت فيه «احترامها الإجراء الديمقراطي في تركيا»، معربة عن توقعها «استمرار عملية المصالحة بين البلدين». ورغم أن البيان الإسرائيلي كان مقتضباً، لكن الرسالة الأساسية الكامنة فيه، كما رأت صحيفة «هآرتس»، كانت موجهة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.كذلك كان لافتاً أن الموقف الإسرائيلي والتعليقات على ما جرى، أتت بعدما اتضح إخفاق الانقلاب، ما دفع مسؤولين إسرائيليين كباراً إلى القول إنه كان من المهم لتل أبيب أن تؤكد أن «ما حدث في تركيا لا يضعف رغبتها في تطبيع العلاقات مع أنقرة». ومن جهة أخرى، هناك توجيه «تحذير مؤدب» كي لا يفكر أحد في تركيا في استغلال محاولة الانقلاب كذريعة لخرق اتفاق المصالحة.
أما عن خلفية التريث، فمن الواضح أن القيادة الإسرائيلية شعرت بالإرباك إزاء أي موقف تتخذه. ويبدو أن مشاعر مختلطة سادت تل أبيب، خاصة أنها حرصت على تجنّب اتخاذ موقف علني يصبّ في مصلحة أيّ من الطرفين (داخل تركيا) حتى لا تقع في فخ الوقوف إلى جانب الطرف الذي خسر، فضلاً عن انتظار تبلور موقف الدول الكبرى من الحدث التركي.
رحيل أرودغان لن يُحزن تل أبيب لكنه سيُحرجها بسبب الاتفاق الأخير

من جهة أخرى، رأت «هآرتس» أن «أحداً في إسرائيل ما كان سيذرف دمعة لو رحل رجب طيب أردوغان... من جهة أخرى، كانت ستجد إسرائيل نفسها محرجة لو اتضح أنها وقّعت على اتفاق مصالحة ووافقت على دفع 20 مليون دولار لشخص لم تعد له صلة».
في ما يتعلق بالساعات الفاصلة بين بداية الانقلاب وإخفاقه، وبعد مدة وجيزة من التقارير الأولية حول محاولة الانقلاب في تركيا، اطلع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على التفاصيل. وتم تفعيل غرفة الطوارئ في وزارة الخارجية، وحاول الدبلوماسيون الإسرائيليون في إسطنبول وأنقرة فهم ما يحدث قدر الإمكان، ونقل ذلك إلى الحكومة. لكن مع توالي التقارير من تركيا، حافظت إسرائيل ــ الرسمية على الصمت، ولم تعلن موقفها إلا بعد اتضاح النتائج ومجرى الأحداث.
في غضون ذلك، كان هناك سبب من نوع آخر شكّل مخرجاً للإسرائيلي بعض الشيء، لتبرير التأخر في إصدار البيان، كون الأحداث حصلت مع دخول عطلة السبت. وفي هذا الإطار، رأى تسافي برئيل، في «هآرتس»، أنه يمكن لمحاولة الانقلاب العسكري في تركيا أن تشكل رافعة ضخمة لأردوغان في تحقيق طموحه بالتحول إلى «الرئيس القاهر، وتحقيق انقلاب دستوري». فبعد دورتين انتخابيتين في العام الماضي، لم يتمكن أردوغان من الحصول على أغلبية كبيرة كافية في البرلمان، يمكن لمعركة الانتخابات الثالثة، التي ستستغل مشاعر الجمهور المعادية والغضب على محاولة الانقلاب، أن تسمح له، أخيراً، بتغيير الدستور كما يشاء، وهذا يعني حصوله على صلاحيات تنفيذية واسعة، تجعله رئيساً للسلطة التنفيذية في البلاد، وليس مجرد «شخصية احتفالية»، بل يتمتع بالفعل بسلطات واسعة، مثل تعيين رئيس الوزراء ورئيس هيئة الأركان... لكنها حالة بعيدة جداً عن النموذج الأميركي.
وأضاف هرئيل: «يبدو أن الانقلابيين اعتقدوا بأن 60% من الجمهور، الذين لم يدعموا حزب العدالة والتنمية، سيخرجون إلى الشوارع لدعم المتآمرين، وأن الكتائب البرية ستنضم إلى القوات المدرعة وإلى عدد من أذرع سلاح الجو، وأن الشرطة لن تتجرّأ على الخروج ضد الجيش... في الجانب العسكري، يبدو أن الفشل نبع أيضاً من الحاجة إلى الحفاظ على السرية حتى اللحظة الأخيرة، الأمر الذي لم يسمح بإعداد قاعدة واسعة في الوحدات العسكرية، لأنه مقارنة بانقلابات عسكرية سابقة، لم تكن هذه المرة محاولة انقلاب من الجيش كله، بل من مجموعة منه، لا تمثل الهيئة العسكرية الرئيسية».
في المقابل، رأى المختص في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «إسرائيل اليوم»، البروفسور ايال زيسر، أن فشل محاولة الانقلاب في تركيا يدل على أن الجيش التركي، الذي يرعب السياسيين والذي اعتبر نفسه طوال سنوات كثيرة المدافع عن ميراث مؤسس الدولة كمال أتاتورك، بات «حيواناً أليفاً، ولم يعد بمقدوره فعل ما يشاء في الدولة».
وكان من المقرر أن يصوّت البرلمان التركي، خلال الأسبوع الجاري، على اتفاق المصالحة والمصادقة على قانون يلغي الدعاوى التي تم تقديمها ضد الجنود والضباط في الجيش الإسرائيلي، الذين شاركوا في السيطرة على سفينة مرمرة في أيار 2010، التي كانت في طريقها إلى غزة، وقتل خلال ذلك تسعة مواطنين أتراك.