لم ينتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طويلا لعرض امكانات اسرائيل في مساعدة فرنسا على مواجهة الارهاب، مشيراً إلى أنّ إسرائيل «مستعدة للمساعدة على محاربة الشر حتى يهزم». وفي الاطار نفسه، بادر رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، الى الدعوة لضرورة اتحاد دول العالم الحر لملاحقة كل المشاركين في الارهاب اينما كانوا.استنادا الى مجمل المقاربة التي تتبناها اسرائيل، وعبر عنها نتنياهو وغيره في العديد من المناسبات، وصولا الى التعقيب على اعتداءات نيس، لا تتردد اسرائيل في التعامل مع ما جرى على أنه فرصة تسمح لها بمحاولة الترويج لوضع كافة فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان في الخانة نفسها مع الحركات الارهابية الاخرى، كتنظيمي القاعدة و«داعش». ومن أبرز المفاهيم الأساسية التي تضبط المقاربة الاسرائيلية في هذا المجال، أنها ترى أن هزيمة «داعش»، وترك ايران وحلفائها، «انتصار في المعركة وخسارة الحرب» كما عبر نتنياهو بنفسه في أكثر من مناسبة.
تريد إسرائيل القول للأوروبيين: نواجه عدوا مشتركا هو الإرهاب

وتسعى اسرائيل الى تقديم نفسها كمقاول للخدمات الامنية للدول الغربية في مواجهة التهديدات الارهابية، ويبدو ذلك، كما لو أنه جزء من الدفعة على الحساب بهدف استدراج مقابل من الدول الغربية، التي ترى تل ابيب أن عليها بلورة رؤيتها ومواقفها وفق الموازين الاسرائيلية. ايضا، لا يبدو أننا نحتاج الى المزيد من الجهد لاستشراف أن الاسرائيلي سيستغل ايضا، اسلوب العملية الارهابية، عبر مقارنتها بأساليب الشباب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي الذي يستخدم في بعض الاحيان أسلوب «الدهس» ضد الجنود والمستوطنين.
في كل الاحوال، خطورة هذا الاسلوب أن فعالية الاجهزة الاستخبارية تجاهه محدودة جداً. وخاصة أنه لا يحتاج الى الكثير من المقومات التي تقتصر على وجود شخص يحمل الفكر الوهابي الذي يوفر على نحو تلقائي الحافزية لتنفيذ مثل هذه الجرائم. مع ذلك، ينبغي القول إن ما تعرضت له فرنسا وسائر الدول الاوروبية وغيرهم، هو فشل مفاهيمي، قبل أي شيء اخر، لأن ما جرى هو نتاج ما صنعتهم ايديهم ورهاناتهم الفاشلة، وخاصة عندما تصوروا أن بإمكانهم التحكم في الوحش الذي فتحوا امامه الطريق للتنامي واكتساب المزيد من القوة. ومن المؤكد أن المفاعيل النفسية والسياسية لهذا الاعتداء يتجاوز الدولة الفرنسية، ليطاول كافة دول الاتحاد الاوروبي والعالم الغربي.
في المقابل، لعلّ أكثر الاسئلة الحاحا بعد اعتداءات فرنسا الارهابية تتمحور حول الاجراءات والخيارات التي ستتبناها عواصم القرار الغربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة. لكن برغم الآلام والخسائر البشرية القاسية، من المبكر الحديث عن تحول جذري في المقاربة الغربية إزاء التنظيمات الارهابية الممثلة بـ«داعش»، وبغيرها من التنظيمات التي تشاركها في الفكر والحافزية، «جبهة النصرة»، لكنها أكثر ذكاء على مستوى التكتيكات. وسبب هذا الاستبعاد أن تحولاً بهذا الحجم ليس بيد فرنسا، وانما بيد الولايات المتحدة التي لم تكتو لحد الان بنيران الارهاب الذي غذته في هذه المنطقة، بالمستوى الذي يبلور خيارات استراتيجية جدية في محاربة الارهاب في المنطقة. وعلى ذلك، تمثّل اعتداءات نيس، محطة اضافية كاشفة لمدى استمرار حاجة الغرب الى «داعش»، وغيرها من التنظيمات الارهابية ومن ضمنها في مواجهة محور المقاومة.
ايضا، في محاولة اسرائيلية فاضحة، تسعى الى تقديم اسرائيل واوروبا على أنهما يواجهان عدوا مشتركا، وهو «الإرهاب» وفق مفهوم نتنياهو الذي وجه بعد ساعات على الاعتداء الارهابي في فرنسا التي تمارس الضغوط على اسرائيل من اجل تحريك عملية التسوية، رسالة خاصة الى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يدعوه فيه للقاء من اجل المفاوضات. ومن أجل تكون رسالته أكثر حضورا في العالم الغربي في ذروة التفاعل مع الاعتداء الارهابي في فرنسا، حرص رئيس الوزراء الاسرائيلي على أن تكون رسالته باللغة الانكليزية، وموثقة بالصوت والصورة، من خلال توجيه الرسالة عبر الفيديو. ومما برز فيها، أن نتنياهو قدم عباس على أنه يرفض الاجتماع به طوال السنوات الاخيرة والجلوس إلى طاولة المفاوضات، داعيا اياه للاصغاء الى رسالته التي بدا فيها كما لو أنه متمسك بالمفاوضات فيما رئيس السلطة يرفضها. ومن اجل ذلك، طالب نتنياهو عباس باتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة ما سماه التحريض في السلطة. وقال إن القيادة الفلسطينية يجب أن تكف عن تمجيد قتلة الإسرائيليين، وتشييد أنصاب تذكارية تكريما لهم. وفي الوقت الذي لم تجف فيه دماء الفرنسيين من أطفال ونساء، تعمد نتنياهو ايضا للتحدث باللغة التي تقدمه كزعيم حريص على الاطفال الاسرائيليين والفلسطينيين، قائلاً إنهم «يستحقون حياة يملأها الأمل والراحة والفرص. أنا من ناحيتي سأواصل المجهود من أجل السلام. حان الوقت لتنضم إلى هذا المجهود».