غالباً ما تحاول التقارير الإعلامية رصد التدخلات الأميركية في الخارج، بالاستناد إلى تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين. وإن سعى البعض إلى الدخول في تفاصيل هذه التصريحات وخلفياتها، يواجه غطاءً من الغموض، الأمر الذي حصل مع فريق عمل موقع "ذي إنترسبت" لدى محاولته تحليل حوالى 6176 وثيقة دبلوماسية كان قد نشرها موقع "ويكيليكس"، بين عامي 2010 و2011، عن برامج التدريب الأميركية في الخارج. وذكر التقرير الذي كتبه كل من دوغلاس جيليسون ونيك تورس ومويز سايد، أن التحليلات توصلت إلى تفاصيل مشوّشة وغير مفهومة لمجموعة كبيرة من "التدريبات العالمية والمدارس"، التي تغطّيها "شبكة غامضة" من البرامج الأميركية. وأشار إلى أن هذه البرامج توفّر، كل عام، تعليمات ومساعدة لحوالى 200 ألف جندي أجنبي وشرطي، وغيرهم من الموظفين.وذكر التقرير أن المعلومات تُظهر أكثر من 471 موقعاً في 120 بلداً ــ في كل القارات إلا أنتراتيكا ــ وتشمل من الجانب الأميركي 150 وكالة دفاعية ومدنية، وكليات للقوات المسلحة ومراكز للتدريب الدفاعي والوحدات العسكرية، إضافة إلى الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية، علاوة على تدريب قوات الحرس الوطني في خمس دول. وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع وحدها ضخّت حوالى 122 مليار دولار في برنامج مماثل منذ أحداث 11 أيلول، إلا أن اتساع ومحتوى شبكة التدريب يبقى غير معروف لمعظم الأميركيين.
وبحسب مُعدّي التقرير، فإن الحقيقة التي تثير الذهول هي أن هذه الشبكة التي تغطي هذا النظام هي أكبر ممّا تظهره المعلومات المنشورة، لأن وثائق "ويكيليكس" ليست شاملة. وهي تتضمن، مثلاً، معلومات قليلة عن جهود التدريب في كولومبيا، التي تشكل أحد أكبر متلقي التدريب الأميركي، كما أن غيرها من المتلقين الكبار للمساعدة الأمنية الأميركية، مثل باكستان، مذكورون بشكل مختصر جداً في الوثائق، "لأسباب تبقى غير واضحة".
تنتشر التدريبات في أكثر من 471 موقعاً في 120 بلداً

"ما تعثرتم به هو نقص ممنهج للتفكير الاستراتيجي، وللتقييم، ولكن يوجد في المقابل التزام ضخم من قبل الأشخاص والمال والوقت في عدد متزايد من الدول"، قال غوردن آدامز، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض عن موازنات الأمن القومي والسياسة الخارجية. وأضاف "أظن أن كلمة نظام هي تسمية خاطئة، فهذا نظام من دون رأس".
جيليسون وتورس وسايد يشيرون إلى أن التحقيق الذي أُجري يثير تساؤلات جدية حول نظام مراقبة الحكومة الأميركية، والضمانات والمحاسبة. وقد وجد التحقيق أن:
* شبكة التدريب العالمية قائمة من دون أي استراتيجية متماسكة، تنفذها عشرات الوكالات والمكاتب من دون أي مراقبة فعالة، وتخطيط مركزي، أو بيان واضح للأهداف.
* هناك نقص في وسائل الاختبار والتقييم، فضلاً عن طريقة شاملة لحساب أو تعقّب المتدربين الأجانب.
* إجراءات التدقيق المصمّمة للتخلص من منتهكي حقوق الإنسان ــ والتي يجري على أساسها اختبار المتدربين ــ تُقام بشكل سريع إلى حدّ أن الخبراء يتساءلون عن جدواها.
"الطريقة التي نقوم من خلالها بالتعاون الأمني كانت خليطاً يُضاف إليه المزيد في كل مرة"، قالت ريتشل كلينفيلد، الباحثة في معهد "كارنيغي"، والعضو السابق في مجلس وزارة الدفاع للشؤون الخارجية. وأضافت "هناك أكثر من 180 سلطة وعشرات الوكالات التي تعمل في تلك المناطق، والطريقة التي تطورت عبر الزمن جعلت من المستحيل لأي شخص معرفة ما يجري... ليس هناك أي مراقبة".
وفي هذا السياق، يشير موقع "ذي إنترسبت" إلى أن التفاصيل حول برامج التدريب الأميركية طالما كانت ناقصة. ففي عام 2012، قدمت إدارة الرئيس باراك أوباما تقريراً إلى الكونغرس، لمرة واحدة، حول تدريب الشرطة الخارجية، وقد غطى سنتين ماليتين فقط، ولم يجرِ الإعلان عنه أبداً. كما أن الإفصاحات السنوية من قبل وزارة الخارجية حول برامج التدريب العسكرية الخارجية، تغطي مجلّدات عديدة، لكنها غالباً ما تكون عصيّة على التحليل، في ظل وجود معلومات ناقصة في كثير من الأحيان أو مذكورة بشكل غير متناسق.
(الأخبار)