«كنت المستقبل يوماً ما»، بهذه الجملة اختتم ديفيد كاميرون آخر لقاء أسبوعي له في رئاسة وزراء بريطانيا، وأجاب في خلاله عن أسئلة نواب مجلس العموم، لينهي بذلك مسيرة ستة أعوام قضاها في «10 داوننغ ستريت».وعُيّنت الزعيمة الجديدة لـ«حزب المحافظين الحاكم» ووزيرة الداخلية منذ عام 2010، تيريزا ماي، رسمياً رئيسة للوزراء في قصر باكنجهام، بحضور الملكة إليزابيث الثانية، لتصير ماي بذلك ثاني رئيسة وزراء في تاريخ بريطانيا. وأوكلت إليها مهمة تشكيل حكومة جديدة، فيما عليها قيادة البلاد في مرحلة هي الأصعب في تاريخها الحديث بعد التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
في خطاب ماي الأول بمنصبها الجديد، تعهدت بالحفاظ على «الوحدة الغالية» بين إنكلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية، والتصدي لعدم المساواة الاجتماعية في بريطانيا وتشكيل حكومة «لخدمة الجميع وليس فقط النخبة»، قائلة: «سنعمل معاً لبناء أمة أفضل».
وكانت ماي قد أكدت أن «حزب المحافظين» سيحقق «انتصاراً كبيراً» في انتخابات عام 2020، مشيرة إلى أن «حزب العمال دفع البلاد إلى حافة الإفلاس ولا ‏يمكن أبداً أن نسمح لهم بفعل ذلك مرة أخرى».
وبرغم الدور الذي لعبه كاميرون في استقرار الوضع الاقتصادي بعد الأزمة المالية العالمية، فإنه سيذكر دوماً كالرئيس الذي خسر الرهان عندما أجرى استفتاءً أخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد أربعة عقود من انضمامها إليه.
كاميرون أشاد، في خطابه الأخير في «داوننغ ستريت»، بإنجازات «حزب المحافظين»، مسلطاً الضوء على «قوة الاقتصاد والقوات المسلحة والإصلاحات التي قام بها الحزب، مثل خدمة المواطن العامة والحد الأدنى للأجور وزواج المثليين». وأضاف أنه «مسرور» لأن امرأة ستشغل منصب رئاسة الوزراء.
وداعُ النواب لكاميرون كان هادئاً وتخلله الكثير من المزاح، ولا سيما بين زعيم المعارضة، جيريمي كوربين، ورئيس الوزراء، علماً بأن علاقتهما لم تكن جيدة دوماً. وبرغم انتقاد كوربين لسياسات كاميرون، خاصة في ملف المشردين والإيجارات المرتفعة والأجور المتدنية للعمال، فإنه أشاد بتأييد الأخير لزواج المثليين في 2013، وجهوده في تأمين الإفراج عن شاكر عامر، وهو مواطن سعودي مقيم في بريطانيا، الخريف الماضي. كذلك شكر كوربين والدة كاميرون على نصائحها في مجال الموضة.
وأضاف كاميرون، متوجهاً إلى النواب: «سأراقب هذه التبادلات من المقاعد الخلفية. سأفتقد هدير الجماهير، وانتقادات المعارضة اللاذعة، ولكنني سأدعمكم. لن أدعم رئيسة الوزراء الجديدة فحسب، بل سأدعمكم جميعاً».
وتابع: «آخر شيء أود أن أقوله، هو أنه من خلال السياسة، يمكنك تحقيق إنجازات كثيرة. ففي نهاية المطاف خدمة الشعب والمصلحة الوطنية هما جوهر عملنا. لا شيء مستحيل بقوة الإرادة. كنت المستقبل يوماً ما»، قبل أن يصفق له النواب، حتى بعض نواب المعارضة، بحفاوة.
أما داني كيناهان، وهو نائب من شمال أيرلندا، فقال لكاميرون ممازحاً: «قيل لي إن هناك الكثير من المناصب القيادية الشاغرة في الوقت الحالي: هناك مدرب لفريق كرة القدم الإنكليزي، هناك مقدم لبرنامج توب غير، وهناك منصب مهم على الجهة الثاني من البحيرة»، في إشارة إلى منصب رئيس الولايات المتحدة.
بعيداً عن المزاح بين النواب، هاجم انغوس روبرتسون، وهو عضو البرلمان عن «الحزب الوطني الاسكتلندي» المؤيد للاستقلال، كاميرون لعقده استفتاءً «يمكن أن يفكك بريطانيا»، كذلك انتقد الرئيسة الجديدة ماي لقولها إن «بريكست يعني الخروج من الاتحاد الأوروبي» وتأكيدها أن لا عودة عن هذا القرار. وأضاف روبرتسون: «صوّت معظم الناخبين في اسكتلندا وأيرلندا الشمالية للبقاء في الاتحاد الأوروبي… لكن ماي تريد التزام بريكست»، ثم أضاف وهو يتوجه لكاميرون: «كيف سيكون وقع ذلك على اسكتلندا برأيك؟».
وكانت الكاميرات قد رصدت كاميرون وهو يحمل أغراضه الشخصية إلى شاحنة النقل استعداداً لمغادرة 10 «داوننغ ستريت»، فيما بدأت أغراض ماي بالوصول.