مصريون يبتزون عائلات غزية لمعرفة مصير أبنائها الغرقى

  • 0
  • ض
  • ض

غزة | لم يستسلم الشاب معين (اسم مستعار) لليأس الذي يضرب بأطنابه بين صفوف الشباب في غزة بسبب البطالة المستشرية. لم ينتظر كثيراً بعد تخرجه للحصول على فرصة عمل تبدو شبه مستحيلة في القطاع المحاصر، بل لجأ إلى افتتاح مشروع إنتاج إعلامي بالاعتماد على الخبرات التي اكتسبها برغم حداثة سنه، حينما كان عمره اثنين وعشرين عاما.

حققت شركته في أقل من عام أرباحاً كبيرة وباتت تنافس شركات كبيرة، وهو يصل ليله بنهاره في سبيل إنجاح حلمه إلى أن أتى عدوان العدو الإسرائيلي عام 2014، الذي شهد اليوم الأخير منه تدمير برج الباشا ضمن سياسة تدمير المقار السكنية الكبيرة، لتذهب شركته وأحلامه تحت الركام.
إلى هنا يئس «معين» وقرر وصديقه، الذي أسس معه الشركة، أن يهاجرا بطريقة غير شرعية إلى ألمانيا، وأن يعيدا افتتاح شركتهما هناك. رفض ذووهما فكرة الهجرة غير الشرعية لكنه صمم على موقفه، قائلا: «هادي حياتي وبدي أخوضها، يا بموت في البحر وبرتاح من الحياة السودا، يا بكمل دراستي وبفتح شركتي بألمانيا». ذهبا إلى المهرب ودفع كل منهما سبعة آلاف دولار كي يحظيا برحلة «موت خمس نجوم». «بدنا قارب منيح ما تستخسر»، قالا له، ثم طمأنهما إلى أنهما سيصلان ألمانيا خلال أسبوع على الأكثر.
في العاشرة من مساء الخامس من أيلول 2014، استقلا القارب على الشواطئ المصرية استعداداً للهجرة. أخبر أهله في الاتصال الأخير أن الأمور على ما يرام، وأن التجهيزات جيدة وخلال ثماني ساعات يصلون الشواطئ الإيطالية. لم يمض وقت طويل حتى تناقلت وسائل الإعلام خبر انقلاب القارب الذي يقل الاثنين في عرض البحر ومعهما العشرات.
منذ ذلك اليوم، لم تنته رحلة البحث عنهما. خيط الأمل الوحيد شهادة الناجين بأنهم رأوه يدافع الموت حتى اللحظة الأخيرة قبل أن يختفي، لكنهم لم يروه جثةً. تلك الشهادة كانت كفيلة بأن تصير عائلته في حالة بحثٍ دائم عنه من دون أن يعرفوا أين يتوجهون أو أي في أي دولة يبحثون.


برغم مرور عامين
على غرق القارب تنتظر عائلاتهم معرفة مصيرهم

برغم مرور العامين على غرق القارب ظلوا يكتوون بنار الإشاعات في ظل فقدان جثث كثيرين. لم يتركوا دولة يحتمل أن يكون وصلها إلا وبحثوا فيها. سمعوا أنه في مالطا فأرسلوا أقرباءهم المقيمين في أوروبا إلى هناك، لكن من دون نتيجة. وكذلك الأمر في إيطاليا.
حالما قاربوا على التسليم بأنه قد مات، فوجئوا بشخص ادعى أنه وسيط بينهم وبين متنفذين في الجيش المصري يخبرهم بأن ابنهم موجود في سجونها، لكن هذا «الوسيط» طلب منهم مبلغ عشرين ألف دولار مقابل إعادته إليهم سالماً. من ثم تعاملوا مع الأمر بمنتهى الجدية وأرسلوا المال من دون أي ضمانات سوى قول الوسيط: «سنعيده إليكم بمجرد فتح معبر رفح البري».
«هل أعطوكم أي دليل يثبت صحة كلامهم، هل أرسلوا لكم صورة، أسمعوكم صوته؟». كانت إجابة شقيقه: «لا، لكننا مضطرون الى أن نصدقهم ولو بخداع أنفسنا حتى لو بعنا كل ما نملك». يضيف: «عرفنا أننا لسنا الوحيدين الذين دفعنا أموالاً لجهات تدعي معرفتها عن أبنائنا، بل تكرر الأمر مع أهالي عشرات فقدوا في هذا القارب ولم يعثر على جثثهم».
منذ ذلك الوقت، فُتح معبر رفح لنحو مرتين. مر الزمن ثقيلا عليهم وهم ينتظرون أن يدق الباب في أي لحظة كما وعدهم أولئك الوسطاء، لكن من دون جدوى. برغم أنهم تواصلوا عبر الوسيط مراراً وتكراراً، وكان يرد عليهم، لم يجدوا سوى المماطلة.
«كانوا يدعون مثلا أنهم نجحوا في الإفراج عنه من السجن، لكنهم لم يتمكنوا من إيصاله إلى المعبر في الوقت المحدد»! وعدوهم بأنه سيعود إليهم بمجرد فتح المعبر مرةً أخرى، ليعودوا إلى دوامة القلق وانتظار المجهول مجدداً. يجبرون أنفسهم على تصديق تلك الوعود من دون أي ضمانات ومع خوفهم الكبير من كون العملية كلها نصبا واحتيالا.
مرة أخرى، فتح معبر رفح قبل أيام، ولكن دون نتيجة، فيما لا تزال العائلة تنتظر ابنها متعلقة بأمل أن يكون من يصدق من يحادثهم، وهم على شك كبير بأن ما يحدث احتيال، لكن الأمل الذي يتعلقون به يمنعهم من ذكر الأسماء على الإعلام، وآخر أمنيتهم أن يودعوا ابنهم وداعا يليق به.

  • عائلة واحدة تحدثت عن تجربتها فيما العائلات الأخرى تخاف ذلك

    عائلة واحدة تحدثت عن تجربتها فيما العائلات الأخرى تخاف ذلك (أي بي أيه )

0 تعليق

التعليقات