خلّفت نتيجة الاستفتاء البريطاني والتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي تداعيات كثيرة على الساحة الدولية؛ فمنذ الإعلان عن الانسحاب من الاتحاد بدأ المجتمع الدولي في التأرجح على مختلف الصعد، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي شهد عدم استقرار، خلال الأيام القليلة الماضية، فيما من المتوقع استمرار هذه الوتيرة والتأثير على سوق المال العالمية وعلى اليورو والعملات الأخرى، فضلاً عن التأثير على حركة التصدير في السوق العالمية، بسبب دور بريطانيا الفاعل في أوروبا والعالم.في إيران، كان المشهد مغايراً إلى حدّ ما، فقد خرجت التصريحات التي تنم عن تفاؤل مشوب ببعض الحذر، مع أولى لحظات الإعلان عن نتيجة الاستفتاء، وسارع بعض رجال السياسة والاقتصاد إلى الحديث عن الموضوع بوصفه فرصة تاريخية لإيران يجب الاستفادة منها، فيما عبّرت وزارة الخارجية عن احترامها لتصويت الشعب البريطاني على مغادرة الاتحاد الاوروبي، معتبرة أن ما يجري مطابق لإرادة الغالبية العظمى من البريطانيين، لتُبنى على أساسه سياسة خارجية خاصة بها.
كلّما ضعفت الدول الأوروبية تُسجَّل نقاط قوة لإيران

الارتياح الذي عبّر عنه الأشخاص المعنيون لا يعدّ أمراً غريباً، على الرغم من أن أوروبا كانت تعتبر شريكاً تجارياً مهماً لإيران قبل فرض العقوبات. ولكن الوقت الراهن يمكن أن يُخصص للمعاهدات الفردية والصفقات التجارية مع الدول الأخرى، في ظل الاتفاق النووي ومرحلة رفع العقوبات، فيما لا يمكن فصل الأخير عن التطورات على الصعيد الأوروبي. وانطلاقاً من هذا الواقع، أعرب عدد كبير من المحلّلين السياسيين والخبراء الاقتصاديين عن قلقهم من أن يؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سلباً على الاقتصاد، ويزيد من عدم ثقة المؤسسات الغربية. إلا أن المحلّل السياسي والأستاذ في جامعة طهران، محمد مارندي، رأى أن "الانسحاب البريطاني لن يؤثر بشكل مستقيم على اتفاق إيران والدول الست، لأن أميركا وبريطانيا ستواصلان السعي لمنع الدول الأوروبية من إقامة علاقات اقتصادية أقوى مع إيران، بعد الاتفاق". لكنه أشار في حديث إلى "الأخبار" إلى أن "بعض الدول ستأخذ العلاقات بجدية أكثر مع إيران، في الظروف الحالية، خصوصاً في المسائل الاقتصادية والسياسية". لذلك، لفت إلى أن "العلاقة ليست مباشرة، ولكن بسبب ضعف بريطانيا ستحاول أميركا أن تبقي دول الاتحاد الأوروبي بعيدة عن الأسواق الإيرانية والاستثمارات والتجارة مع إيران". مارندي أوضح أنه "من الناحية السياسية، يشكل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي محطة تأثير على جميع دول العالم، وعلى إيران بشكل خاص، حيث إن هذه الفرصة تاريخية لإيران وستكون سبباً في المستقبل القريب لتقوية العلاقات التجارية والسياسية بين بريطانيا وإيران، حيث إن الأولى بحاجة إلى أسواق وتبادلات تجارية للتعويض عمّا ستفقده في الداخل الأوروبي".
من جهته، رأى النائب الإيراني وعضو لجنة الأمن القومي في البرلمان، حشمت الله فلاحت بيشه، أن "هذا الزلزال الكبير الذي ضرب أوروبا، بعد أكثر من عقدين على الاتحاد، يمهّد لخريطة سياسية واقتصادية جديدة على الساحة الدولية". وقال فلاحت بيشه لـ"الأخبار" إن "من شأن هذا الانشقاق الأول أن يُحدث ثغرة تعطل الاتفاقات والتفاهمات المقبلة بين دول الاتحاد". وإذ أضاف أن "اقتصاد إيران له مسائله الخاصة ويصعب تقييده"، فقد أشار في هذا الإطار إلى "الحصار الذي كان أكبر دليل على ذلك، وهو يعتمد بشكل بسيط على بعض الدول الأوروبية التي لن يحدث معها مشاكل، بل ستتطور العلاقة معها لأن غالبية الدول ستسعى إلى إيجاد طرق فردية إلى أسواق إيران، بمعزل عن الاتحاد، والأيام المقبلة ستشهد على ذلك".
أيضاً عن الناحية الإيجابية للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، أشار خبير العلاقات الدولية والمحلّل الاقتصادي، هاني حسن زاده، إلى أن "خروج بريطانيا ستكون له انعكاسات سلبية على الاتحاد". وفي حديث إلى "الأخبار"، رأى أن "دولاً أخرى ستحذو حذو بريطانيا في الخروج، وبالتالي سوف يتلاشى هذا الاتحاد في السنوات المقبلة، وهذا بطبيعة الحال في مصلحة دول المنطقة في الشرق الأوسط، خصوصاً إيران، حيث إن هذه الدول تستطيع أن تتفاوض بشكل ثنائي مع الدول الأوروبية، وذلك لأن بقاء هذه الدول ككتلة واحدة، يشكل صعوبة في التفاوض معها".
زاده أوضح أنه "من الناحية الاقتصادية، فإن بريطانيا ستسعى للتعاون مع إيران في الحقل التجاري، وذلك للتعويض عن خسائرها جراء خروجها من الاتحاد الأوروبي". وقال إن "هذا التعاون سينمو ويصل إلى مستوى أعلى بين طهران ولندن، كذلك فإن إيران ستتخذ من بريطانيا بوابة لتعاملها مع دول العالم الخارجي، لا سيما أن هذه الأخيرة لديها علاقات وطيدة على الساحة الدولية، وتشكل إلى حدّ ما رقماً صعباً في السوق العالمية". وذهب زاده إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن "الزمن الذي سنشهد فيه تنافساً بين الدول الأوروبية من جهة وبريطانيا من جهة أخرى لإيجاد تعاون تجاري وثيق مع إيران، قد جاء". وأوضح أنه "كلما ضعفت الدول الأوروبية، تُسجَّل نقاط قوة لإيران".