فُتحت صناديق الاقتراع في اسبانيا للمرة الثانية، أمس، في غضون ستة أشهر، وذلك بهدف أن يختار الاسبانيون ممثليهم في البرلمان، بعدما أنتجت الانتخابات السابقة مجلساً منقسماً واستحال معه تشكيل حكومة. وحتى مساء أمس، أشارت آخر الاستطلاعات إلى أن تحالف "متحدون نستطيع" (يضم بوديموس واليسار المتحد) قد يتقدم هذه المرة على "الحزب الاشتراكي الإسباني"، فيحلّ ثانياً بعد "الحزب الشعبي" اليميني. وهذا التقدم هو ما يعطي الاستحقاق الاسباني أهمية كبرى، ليس على صعيد السياسة المحلية وحسب، بل على الصعيد الأوروبي أيضاً، خاصة أنه يتزامن مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.وتنبع هذه الأهمية من كون "بوديموس" ينظر إلى خروج بريطانيا على أنه تأكيد أن سياسة التقشف الأوروبية قد سقطت وأن الاتحاد الأوروبي قد أهمل آراء مواطنيه. وأضاء رئيس "بوديموس"، بابلو إيغليسياس، على توجه حزبه هذا، قائلاً بعد نتائج الاستفتاء البريطاني إنّ الوقت قد حان "لتغيير أوروبا"، مضيفاً أنّ "لا أحد يريد مغادرة أوروبا تسود فيها العدالة والتضامن". ويتفق حليفه في "اليسار المتحد"، آلبيرتو غارزون، معه على هذه الرؤية بقوله إن "المشكلة اليوم ليست بالاستفتاء البريطاني، بل بالاتحاد الأوروبي الذي بني للمصالح وضد الشعب".
عموماً، إنّ تقدم هذا التيار قد يشكّل ضربة للمعسكر اليميني المحافظ في اسبانيا الذي يرى أن سبب أزمات الاتحاد الأوروبي هو "أزمة المهاجرين"، تماماً مثل أغلبية التيار المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كذلك، فإن هذا التيار هو انعكاس لتوجه الرأي العام الاسباني الذي لا يقارب مشاكل بلاده على ضوء أزمة الهجرة، بل يلوم قادتها على البطالة والفقر القائمين، وفق ما يشير مقال في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية لأوين جونز. وتتعزز هذه الرؤية من طبيعة نشأة "بوديموس" نفسه، الذي ولد من حركة "الغاضبين" المناهضة للتقشف، ومن شعاراته التي تركز على أن الغضب الاسباني هو بمواجهة "المهيمنين" وليس المهاجرين.
من هنا، فإن تقدم "متحدون نستطيع" يعني دعماً مهماً للحركات التي تدعو إلى تجديد المشروع الأوروبي على أساس احترام حقوق العمال، خصوصاً أنّ حركة مثل "بوديموس" تشكل، وفق أوين جونز، حلاً في مواجهة التيارات المناهضة للمهاجرين، وذلك عبر "تصحيحها للأهداف وتوجيهها الغضب وطرح بديل لأوروبا ليس نابعاً من عدم الشعور بالأمان".
ويلخص جونز هذه الفكرة بقوله إن الحكومات الأوروبية كرست السبيل الذي يجرّ الاتحاد الأوروبي نحو مزيد من الخنوع لمصالح الأسواق، وهذا ما يجعل حركات مثل "بوديموس" أكثر حيوية. لذا، فإن الاستفتاء البريطاني والانتخابات الاسبانية من اللحظات المفصلية التي تعيشها أوروبا، لأنها تحدد مستقبلها، "فهل ستكون أوروبا محطمة يقودها الكره ضد المهاجرين وتسيطر عليها الشركات وفقدان الحماية الاجتماعية، أم أوروبا ديموقراطية تحكم لمصلحة الأغلبية؟".

(الأخبار)