في ظل عدم إحراز تقدم باتجاه انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات التركية ــ الأوروبية تراجعاً، بسبب الاختلاف على قضية اللاجئين، سعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى قلب المستجدات لمصلحته، مستغلاً الظرف الذي يمر به الاتحاد الأوروبي، والذي يعكسه الاستفتاء البريطاني على الخروج منه، وأيضاً تنامي التحركات الانفصالية داخله. وفي هذا المجال، أظهر أردوغان، خلال اليومين الماضيين، ميلاً للحصول على جائزة ترضية مؤقتة، قد يوفرها له استفتاء أشار إليه، على غرار الاستفتاء البريطاني، وذلك بعدما أطلق فكرة استشارة الأتراك بشأن جدوى الاستمرار في عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.تركيا التي تقدمت بترشحها عام 1987، تفاوض بصعوبة منذ عام 2005 في عملية انضمام لا تجد حماسة كبيرة لدى الدول المهمة في التكتل الأوروبي. مع ذلك، كان أردوغان دائماً يردد أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هدف استراتيجي لبلاده. إلا أن خطابه شهد تغيّراً مهماً، أول من أمس، ذلك أنه هاجم أوروبا للمرة الأولى، وقال إن أنقرة يمكن أن تنظّم استفتاءً مشابهاً لاستفتاء البريطانيين بشأن البقاء في الاتحاد أو مغادرته. كذلك أوضح، في كلمة في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء، أنه "يمكننا أن نستفتي الشعب كما يفعل البريطانيون". وأضاف "سنطرح السؤال: هل يجب أن نستمر في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي أو وضع حدّ لها؟"، مؤكداً أنه "إذا قال الشعب نستمر، فإننا سنواصل".
قال للأوروبيين: حين يكشف أردوغان وجهكم القبيح تصابون بالجنون

الرئيس التركي ذهب إلى أبعد من ذلك، واتهم الاتحاد الأوروبي بعدم الرغبة في انضمام تركيا "البلد ذي الغالبية المسلمة" إليه. وتساءل مخاطباً قادة الاتحاد الأوروبي "لماذ المماطلة؟" تعبيراً عن القلق حيال تباطؤ المفاوضات.
ثم انتقل إلى سياق آخر، غامزاً من قناة قضية المهاجرين، التي يشهد الاتفاق بشأنها بين أنقرة وبروكسل تعثراً، في ظل عدم إعفاء الأتراك من التأشيرة في رحلاتهم القصيرة إلى "فضاء شنغن". وقال أردوغان بلهجة اتهامية حادة: "أنتم لا تفون بوعودكم"، مضيفاً أن "هذا وجهكم القبيح. وحين يكشف أردوغان وجهكم القبيح تصابون بالجنون".
ولكن الخطاب التركي المستجد لم يكن صادراً عن أردوغان وحده، فقد تحدث وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، أمس، عن الاستفتاء، وقال "نحن نتعرّض أيضاً لضغط كبير من شعبنا، الذي يسألنا ماذا نفعل في مكان يحوي كل هذا الكمّ من المشاعر المناهضة للأتراك. يريدون منّا المزيد من العمل، وعند الضرورة، إذا وصلنا طريقاً مسدوداً، إعادة النظر" في علاقاتنا. جاويش أوغلو أكد أن ما ذكره "ليس تهديداً ولا ابتزازاً"، مضيفاً أن "تركيا ستستشير شعبها حين تتخذ قراراً بهذه الأهمية"، وذلك في سعي منه إلى تظهير هذه الخطوة كأنها صادرة عن قرار تركي بتقرير المصير، بمعزل عن الرفض الأوروبي لانضمام تركيا إلى الاتحاد، والذي غالباً ما كان يصدر عن أكثر الدول الأوروبية تأثيراً.
وفي هذا الإطار، كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل قد أشارا إلى أن انضمام تركيا "ليس على جدول الأعمال"، وأن هذه المفاوضات تجري "مع نهاية مفتوحة" على كل الاحتمالات. كذلك، استبعد رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر أي توسيع للاتحاد، قبل 2020، فيما صرّح كاميرون بأن انضمام تركيا يمكن ألا يحدث "قبل عام 3000"، مثيراً بذلك حساسية الأتراك.
في غضون ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي أنه بعدما كان الأتراك يؤيدون بكثافة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، قبل عقد من الزمن، فإن أقل من نصفهم يؤيدون هذا التوجه، حالياً. وفي السياق، قال المحلّل في مؤسسة "كارنيغي" مارك بيريني، إن الاستفتاء في تركيا لن يكون إلا "أداة تكميلية، بالنظر إلى عدم التطابق التام لمعايير الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وضرورات النظام الرئاسي"، التي تتضمن قمع العديد من الحريات. وأضاف أن تنظيم استفتاء في تركيا "في الظرف الحالي سيؤدي إلى فوز لا، وبالتالي تعزيز التوجهات الشعبوية".
وتأتي تصريحات أردوغان في الوقت الذي ستفتح فيه تركيا، في 30 حزيران، فصلاً جديداً في مفاوضات الانضمام يتعلق بمسائل الميزانية والمالية. وقال وزير الخارجية التركي، أمس، "سنذهب إلى بروكسل للتباحث مع نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانز تمرمان، وبحث المأزق بشأن الإعفاء من التأشيرة، وذلك لمناسبة فتح فصل جديد في المفاوضات". وأضاف أن "على الاتحاد الأوروبي، أيضاً، أن يفي بوعوده". كذلك لفت إلى أنه "في الظروف الحالية" لا يمكن لتركيا التي تواجه تصاعداً في التمرّد الكردي أن تراجع تشريعاتها في مجال مكافحة الإرهاب، كما يطلب الأوروبيون.
(الأخبار، أ ف ب)