بعد تنحّي أحمد داود أوغلو عن رئاسة «حزب العدالة والتنمية»، أُعلن، أمس، اسم وزير النقل الحالي، بن علي يلديريم، كرئيس جديد مرجّح للحزب، والذي سيتولى رئاسة الوزراء، ما قد يعزز قبضة الرئيس رجب طيب أردوغان على الحكومة في إطار سعيه لتعديل الدستور وتوسيع سلطاته، فيما تخرج انتقادات من الجانب الأوروبي ضد «الطموحات السلطوية» للرئيس التركي.
وقال المتحدث باسم «العدالة والتنمية»، عمر جليك، في مؤتمر صحافي بعد اجتماع للهيئة التنفيذية للحزب، إن يلديريم، الحليف الوثيق لأردوغان منذ نحو عقدين، سيكون المرشح الوحيد لرئاسة الحزب في مؤتمر حزبي خاص سيعقد يوم الأحد المقبل، مضيفاً أن الترشيح جاء «بعد فترة تشاور وبتوافق كبير في الآراء».
ويلديريم هو من الأعضاء المؤسّسين لـ«حزب العدالة والتنمية»، وينظر إلى توليه منصب الرئاسة على أنه تدعيم لمساعي أردوغان لتعديل الدستور ووضع نظام رئاسي، على غرار النظام الأميركي والفرنسي، يراه أردوغان بمثابة ضمان لتجنّب الحكومات الائتلافية الهشة. في المقابل، يرى معارضو «العدالة والتنمية» أن هذه الخطوة (تعديل الدستور) ستؤدي إلى مزيد من الاستبداد، وإلى تعزيز طموحات الرئيس التركي.
ولا تأتي النظرة إلى تولي يلديريم كتسهيل لطموحات أردوغان من سراب، فالرجل معروف بكونه حليفاً مقرّباً من مؤسس «العدالة والتنمية». وقد تعهد يلديريم قبيل ترشيحه، أمس، بالعمل «بانسجام تام» مع أردوغان، واصفاً إياه بـ«رئيسنا المؤسس والقائد».
وقد بقي يلديريم «وفياً» لأردوغان لمدة طويلة. فإضافة إلى توليه وزارة النقل، عمل إلى جانب أردوغان الذي كان عمدة اسطنبول مديراً لشركة النقل المائي في المدينة بين عامي 1994 و1997. وفي عام 2014، استقال من منصبه ليترشح لمنصب عمدة إزمير، التي لا تزال معقلاً أساسياً لـ«حزب الشعب الجمهوري» المعارض، نزولاً عند طلب أردوغان، وهو بالتالي ليس «منافساً» حقيقياً له.
وفي هذا الإطار، يشير الباحث في «تينيو إينتليجانس»، وولفانغو بيكوللي، لوكالة «رويترز»، إلى أن «مؤهلات يلديريم لتولي رئاسة العدالة والتنمية ليست قدراته، بل طاعته للرئيس»، مضيفاً أنه «في هذا الإطار، فإن أولوية رئيس الحكومة الجديد ستكون العمل على تركيز نظام رئاسي في البلاد». وكان يلديريم قد قال في كلمته الأولى التي اعتبرت قسم ولاء، بعد الإعلان عن انسحاب داود أوغلو في بداية أيار، في ملاطية: «والآن، سنقيم نظاماً رئاسياً».
إضافة إلى ذلك، وتأكيداً للثقة التي يوليه إياها الرئيس أردوغان، تولى يلديريم حتى الآن الإشراف على مشاريع البنى التحتية العملاقة، التي توجه إليها المعارضة والمدافعون عن البيئة انتقادات حادة، ويقولون إنها غيّرت وجه تركيا، ولا سيما إسطنبول.
من جهة ثانية، تسبّب الرئيس المقبل للحكومة باندلاع نقاشات كثيرة. ففي 2004، انحرف قطار عن خط جديد للقطار السريع، ما أدى إلى مصرع حوالى 40 مسافراً في شمال غرب تركيا، وطالبت المعارضة حينها باستقالة يلديريم. وفي السنة التالية، تسببت حياته الشخصية في بلبلة؛ فصورة زوجته المحجبة تتناول الطعام وحدها، فيما يتناول يلديريم الغداء إلى طاولة مجاورة مع مجموعة من الرجال فقط، أثارت جدالاً ووجهت اليه اتهامات بالتمييز بين الجنسين. وفي مناسبة أخرى، قال إنه لم يشأ أن يتعلم في جامعة البوسفور الذائعة الصيت، بعدما «شاهد الصبيان والبنات جالسين ويتحدثون معاً في الحرم الجامعي».
وقالت مصادر من الحزب إن التشكيل الوزاري الجديد قد يعلن يوم الاثنين المقبل على أقرب تقدير. في سياق متصل، فإنه إلى جانب تعديل النظام السياسي في البلاد، يسعى «العدالة والتنمية» إلى تمرير مشروع قانون مثير للجدل لرفع الحصانة النيابية عن نواب تستهدفهم إجراءات قضائية، في إجراء يعتبر أنه يستهدف «حزب الشعوب الديموقراطي» المعارض.
ومن أصل 550 نائباً، شارك 536 في التصويت على المشروع، بداية الأسبوع، فأيّده 348 منهم، في حين رفضه 155. وصوّت 25 نائباً بورقة بيضاء، فيما امتنع ثمانية، وفق ما أعلن نائب رئيس البرلمان، أحمد إيدين. وتمهد هذه النتيجة لجولة مناقشات ثانية وتصويت نهائي، اليوم. ولإقراره في التصويت النهائي، يتطلب المشروع موافقة أكثر من ثلثي النواب، أما إذا حصد ما بين 330 و366 صوتاً، كما حصل في التصويت الأولي، فيمكن أن يدعو الرئيس رجب طيب أردوغان إلى استفتاء.

توتّر مع الجانب الأوروبي

وقد انتقد رئيس البوندستاغ الألماني، نوربرت لاميرت، أمس، وهو العضو في «الاتحاد المسيحي الديموقراطي» الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، هذا المشروع، إلى جانب انتقاده ما وصفه بـ«الطموحات السلطوية» للرئيس التركي، قبل أسبوعين من التصويت في مجلس النواب الألماني على قرار حول الإبادة الأرمنية من شأنه توتير العلاقات مع أنقرة. وقال لاميرت لصحيفة «سودويتشي تسايتونغ» إن تصرف الرئيس التركي «يندرج ويا للأسف في إطار استمرارية مجموعة كاملة من الأحداث التي تحمل تركيا على الابتعاد الدائم عن المبادئ التي تنظم الديموقراطية في رأينا».
وتأتي هذه الانتقادات فيما أدرج البوندستاغ في جدول أعماله لجلسة الثاني من حزيران التصويت على قرار اقترحته المجموعات النيابية التي تنتمي إلى «الاتحاد المسيحي الديموقراطي» و«الاتحاد المسيحي الاجتماعي» و«الحزب الاشتراكي الديموقراطي» و«الخضر»، تحت عنوان «ذكرى إبادة الأرمن والأقليات المسيحية الأخرى قبل مئة سنة وسنة». وعندما وصف الرئيس الألماني يواخيم غاوك، للمرة الأولى، بـ«الإبادة» المجزرة التي ارتكبتها السلطنة العثمانية ضد الأرمن، أعرب أردوغان عن غضبه، متهماً إياه مع آخرين «بتأييد المطالب القائمة على الأكاذيب الأرمنية».
لكن الحكومة الألمانية تحاول، منذ أسابيع، مراعاة الحساسيات التركية، لأن أنقرة هي الشريك الأساسي لاتفاق الهجرة المثير للجدل مع الاتحاد الأوروبي. ومن المنتظر أن تتوجه المستشارة الألمانية، الأحد والاثنين، إلى تركيا للمشاركة في قمة إنسانية عالمية.
في هذه الأثناء، يرتقب الاتحاد الأوروبي ما ستقوم به الحكومة التركية الجديدة بخصوص قانون مكافحة الإرهاب، وفق ما تنقل وكالة «رويترز» عن مصادر دبلوماسية. وتبحث تركيا والاتحاد الأوروبي إلغاء تأشيرات الدخول منذ عام 2013، واتفقا في آذار الماضي على المضي قدماً في تلك الخطوة في إطار اتفاق يقضي بوقف تدفق موجات المهاجرين بصورة غير شرعية من تركيا إلى دول الاتحاد. لكن التقدم توقف حين رفضت أنقرة تعديل قانون مكافحة الإرهاب، في حين تمسك الاتحاد الأوروبي بهذه الفكرة، إذ يرى بعض القادة الأوروبيين والجماعات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان أن السلطة التركية تستغل القانون لقمع المعارضة.
وقد تم تأجيل إلغاء تأشيرات الدخول الذي كان مقرراً بنهاية حزيران، إلى الخريف المقبل على الأرجح، وفق ما ذكرت مصادر في بروكسل، أمس، على خلفية رفض أنقرة تعديل القانون. ويقول الاتحاد الأوروبي إن على تركيا تقليص مفهومها حول الإرهاب، الذي يؤدي إلى اتخاذ إجراءات قاسية ضد مفكرين وصحافيين وأكاديميين.