البرازيل | سقوط روسيف... من ضمن «الدومينو اللاتيني»

  • 0
  • ض
  • ض

برازيليا | في لقاء صحافي عقب فوز المعارضة الفنزويلية بالانتخابات البرلمانية قبل أشهر، قالت الزعيمة اليمينية، ماريا مارتشادو، إن سقوط اليسار في فنزويلا سينسحب في خطواته الأولى باتجاه البرازيل.

ورداً على سؤال «الأخبار» حول ما إذا كانت تستند في كلامها إلى إجراءات عزل الرئيسة، سيلفا روسيف، (الإجراء الذي كان في بداياته حينذاك)، أو إلى معطيات أخرى، ابتسمت مارتشادو، وقالت إن البلاد «لم تعد تحتمل سياسات شمولية ومناهج اقتصادية متخلفة».
كانت سيدة المعارضة الأولى تعني ما تقول حينها، وهي التي كانت وما زالت على علاقة وتنسيق مستمر مع سفارات الدول الكبرى التي قادت عملية إسقاط «اليسار»، بنجاح قلّ نظيره. صحّ قول مارتشادو، فالبرازيل حلّت ثالثة في خريطة السقوط، ليتبيّن أن الترتيب أيضاً مشغول بحنكة. كانت انتخابات الأرجنتين فرصة مؤاتية انتزعها اليمين في لحظة حسابات خاطئة ارتكبها تيار كريستينا فرنانديز. أما فنزويلا، التي كانت تترنح تحت وطأة الإفقار والتجويع، فتم قطف انتخاباتها بسهولة. محاصرة نظام الثورة البوليفارية في فنزويلا، بثقله المعنوي، جاءت لتُسقط الراية اليسارية في أميركا اللاتينية. فإسقاط رمزية فنزويلا كان لا بد من أن يُصرف في البرازيل على وجه السرعة، فهناك مركز ثقل الاقتصاد اللاتيني، وقوة «اليسار» الحقيقية.
بدأت الدراسات الجدية حول إسقاط «اليسار» منذ اللحظة الأولى لتسلّم ديلما روسيف مقاليد الرئاسة في الدورة الأولى، حيث إن تنحي الزعيم العمالي الرمز، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، عن سدة الرئاسة سهّل المهمة إلى حد كبير. فالرجل أنهى حكمه بنجاحات لم تشهدها البرازيل من قبل، وبرصيد شعبي فاق الـ70%؛ وعليه فإن مجرد التفكير في إسقاطه كان ضرباً من العبثية والجنون.
تولى الإعلام البرازيلي مهمة تغيير المشهد العام في الأيام الأولى من عهد روسيف. حوّرت الشاشات البرازيلية مسيرة النضال «للثائرة اليسارية»، مصورة إياها كزعيمة لعصابة مختصة في سرقة المصارف. كما عملت تلك الشاشات على تخويف البرازيليين من «الديكتاتورية». وكانت الدعاية التدميرية الممنهجة في الأخبار ومختلف البرامج تهدف إلى إسقاط هيبة الرئيسة العمالية وتلطيخ سمعتها، تمهيداً لإسقاطها.
لم تنجح غرفة عمليات «المعارضة» بإسقاط روسيف في انتخابات الدورة الثانية، على الرغم من المعارك الشرسة التي قادتها؛ فرصيد العماليين الذين أداروا سياسات اجتماعية ناجحة أعطاهم الأرجحية في صناديق الاقتراع. إلا أن الفارق البسيط في نتيجة الانتخابات عزز الثقة في أن إقصاء العماليين بات قريباً، حيث إن مستوى التأييد كان ينخفض بشكل حاد. إلا أن الأمر لم يعد يحتمل دورة ثانية قد يتعافى فيها اليساريون، بالإضافة إلى أن النجاح بتدمير التيار الممانع في أميركا اللاتينية يحتاج إلى الحسم السريع في لحظة مؤاتية قد لا تتكرر، فاتُّخذ القرار باللجوء إلى «الانقلاب الدستوري».
لم تكن إطاحة العماليين عملية سهلة، لكن مفاتيحها كانت متوفرة في مثلث الإعلام والقضاء و«الحلفاء». تحرك القضاء لفتح ملفات الفساد، فتدخّل الإعلام لتظهير الملفات التي تطاول العماليين حصراً، على أن يُستفاد من الملفات الأخرى في بازار الابتزاز. خُلقت حينها معادلة حفظ الرأس مقابل تشريع «الانقلاب». هنا، دفعت قراءة نائب الرئيسة، ميشال تامر، للمرحلة إلى حسمه مسألة التخلي عن حليفه العمالي، وانتقلت العدوى إلى «الحركة التقدمية» التي أعلنت انسحابها من الحكومة الائتلافية، وكرّت السبحة، حيث لم يبقَ في الحكومة إلا الحزب الاشتراكي الذي أوفى بعهوده حتى اللحظة الأخيرة.
خلال اجتماع مع روسيف وقياديي «حزب العمال»، ليلة جلسة الكونغرس التي بتّت عزل روسيف مؤقتاً، قال دا سيلفا إن الشعب البرازيلي خُدع، ولم تُسنح للعماليين الفرصة ولا الوقت للدفاع عن أنفسهم. رأى دا سيلفا أن مناوئي حزبه أقنعوا الشعب بأن العماليين لصوص وأن قوى المعارضة ملائكة، وأن وجود العماليين في السلطة سيكون نذير شؤم وبؤس. وبالتالي، لم يكن أمام العماليين إلا خيار الحفاظ على البلاد وعلى المكتسبات التي عملوا من أجلها، وفقاً لدا سيلفا الذي دعا بالتوازي إلى مراقبة حكم «الخونة» جيداً. رأى الزعيم العمالي أن وجود حزبه خارج السلطة في هذه الفترة سيكون أكثر منفعة، حيث إن المرحلة ستكون للتحاصص و«بيع البلد». قال دا سيلفا: «سنتنحى جانباً، لكن عيننا لن تغفو أبداً، وسنظل حماة هذه الأرض ومياهها التي تعوم على ثروات من النفط كافية لإسعاد أجيالنا، وهي الأسباب التي حوربنا من أجلها، وهي التي سيحاولون نهبها في الأيام المقبلة. سننام وأعيننا مفتوحة، فحراسة البلد واجب، وخصوصاً حين يتقلّد اللصوص السلطة فيه».

  • سهّل سيناريو الانقلاب مثلث الإعلام والقضاء و«الحلفاء»

    سهّل سيناريو الانقلاب مثلث الإعلام والقضاء و«الحلفاء» (أ ف ب )

0 تعليق

التعليقات