بعد موجة سفر فرنسيين إلى سوريا والعراق «للمشاركة في الجهاد»، تواجه فرنسا اليوم موجة عودة بعض من هؤلاء إليها، ويبدو أنّ عددهم قد بلغ حتى الآن 236، فيما بقي 600 منهم هناك، وفق سلسلة تقارير نشرتها صحيفة «ميديابارت» الالكترونية الفرنسية، الأسبوع الماضي، في محاولة لطرح الإشكاليات التي ترافق عودة هؤلاء، وإبراز كيفية تعامل السلطات معهم.وفقا للموقع الفرنسي، لم يعد عبور تركيا (بهدف العودة إلى البلاد) بالسهولة نفسها التي كانت في الماضي، ومن ينجح بالمرور تحتجزه السلطات التركية، فيسجن البعض، بينما يرحّل آخرون.
وعند عودة هؤلاء إلى بلادهم، يُحوّل «الجهاديون» إلى المديرية العامة للأمن الداخلي، وقد أنشأت السلطات إدارة مختصة بهم، تميز بينهم بحسب درجة خطورتهم، وذلك بعد خضوعهم لتقييم فريق مختص. أما النساء، فحالتهن أكثر صعوبة، إذ يشرح أحد القضاة لـ«ميديابارت» أنه وجد «في معظم الحالات أنهن أكثر تطرفا من رجالهن». وتفسر الباحثة الاجتماعية، جيرالدين كاسو، المختصة بدراسة «نساء الجهاد»، أن الأفكار الجهادية ترسخ لدى النساء بالقوة عينها التي تترسخ فيها عند الرجال. وتهتم هذه الباحثة أيضا بحالة الأطفال «الذين يتشربون حب الجهاد وكره الغرب»، شارحة بأن «عودة العائلات تضعنا أمام تساؤل حول ما يجب فعله مع هؤلاء الأطفال».
محام فرنسي: هؤلاء إخوة لنا وعلينا أن نظهر أننا أفضل من داعش


قضاء «خائف»؟

تستنتج التقارير الثلاثة التي نشرها الموقع الفرنسي خلال الأيام الماضية، أنّ «التحدي الأكبر» يكمن في أن قرارات القضاة تكون أحياناً ناتجة عن التخوف من إطلاق أحد العائدين نظرا لأنه قد يمثل تهديدا أمنيا. وفي السياق، يُنقل عن معظم المحامين قولهم إنّ العدالة في تلك الحالات تكون «معمية» بفعل الخوف من ارتكاب خطأ، وهو واقع ازدادت حدته عقب الاعتداءات التي شهدتها فرنسا.
ويعبّر عدداً من أولئك المحامين عن اعتقادهم بأنّ القضاء يتعامل في قراراته «مع ظاهرة لا مع حالات فردية»، وذلك «من دون طلب الرأي النفسي». ويروي هؤلاء أنّ ذاك الخوف قد تعزز خاصة بعد اكتشاف أن أحد من شاركوا في اعتداء باريس الأخير، سامي أميمور، كان قد جرى اعتقاله عام 2012، وبعد إطلاقه غادر إلى سوريا ثم عاد للمشاركة في اعتداءات 13 تشرين الثاني 2015.
أما المعضلة الأخرى للسلطات الفرنسية، فتكمن في التخوف من نشر الأفكار المتطرفة في السجن، إذ يشرح المشرف في «سجن فرين» أنه حين «تضع في سجن واحد سجناء ينتمون إلى الحركة نفسها، يصبح الأمر أشبه بدورة تدريبية». وتبين ذلك من حالة أحد الشبان المسجنونين في «فرين»، إذ يخبر محام أنه عندما التقاه، تبين له أنه لم يتعلم الأفكار المتطرفة في الكتب، بل من خلال سجناء آخرين. ولتجنب حصول ذلك، تعمل الإدارة المختصة منذ عدة أشهر على تكوين خمس وحدات لمتابعة السجناء، مؤلفة من فريق يتضمن معالجين نفسيين ومستشارين ومشرفين. ويجري «عزل» الأكثر خطورة من السجناء، إضافة إلى تنظيم حلقات حوار تتضمن أحيانا ضحايا إرهاب، لكنّ المحامين لا ينظرون إلى هذه الآلية بإيجابية، نظرا لعدم وضوح معايير تصنيف السجناء ومعايير نقلهم إلى وحدات مختلفة. ولذا يتبنى هؤلاء ما ذهب إليه، وزير الداخلية، بيرنارد كازنوف، في وثائقي عرض على «فرانس 5» في شباط الماضي، لناحية قوله بأنه يجب إخضاع العائدين من سوريا والعراق إلى متابعة نفسية.
وبينما يتواصل الجدال نسبياً بهذا الشأن، يشرح أحد الناشطين الفرنسيين الميدانيين أن أولويات الحكومة تبدلت، إذ بات الأهم لها يكمن في التعامل مع «الشباب المتطرفين» في الداخل أكثر من أولئك العائدين من سوريا. ويرى رئيس مديرية الأمن الوطني، باتريك كالفار، أن «الأداء الأمني جزئي ولا يحل الظاهرة»، مضيفاً أن ذهاب المراهقين إلى «الجهاد» هو «سؤال كبير لمجتمعنا»، ويعني «أن الشباب يرزحون تحت أزمة عميقة». من هنا، يجري العمل على إنشاء مركز «إعادة الاندماج والمواطنة» يهتم «بالشباب الذين آثروا الذهاب إلى سوريا لكنهم لم يكونوا فعليا في مناطق القتال»، وفق ما يشرح بيار ناغاهان، وهو مدير اللجنة الوزارية لمنع الجريمة.
أما الفكرة الأهم، بحسب المحامي دافيد أبلبوم، فهي أن مقاربة الموضوع يجب أن تتغير، إذ «لا يمكننا النظر إلى هؤلاء الأشخاص على أنهم أفراد نريد إزالتهم، فبذلك نحن نقع في الخطأ. في النهاية هؤلاء إخوة لنا، وعلينا أن نظهر لهم أن طريقتنا بالتطلع إلى المستقبل أفضل من طريقة داعش»، لكن في المقابل، يبقى التساؤل الأهم: هل أنّ معالجات كهذه وإشكاليات كفيلة باختزال التحديات الإرهابية التي تواجهها الدولة الفرنسية؟