طهران | ترفع الجمهورية الإسلامية في إيران مستوى التحدي مع الولايات المتحدة بإعلانها، بين الفينة والأخرى، عن تقدّم في برنامجها الصاروخي، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى نقل المواجهة إلى مستوى مختلف، في ظل التهديدات المتكررة بالعقوبات على برنامجها البالستي.وبرغم أنه من المستبعد أن تخطو واشنطن أي خطوة عملية في هذا المجال، قبل الانتخابات الرئاسية، إلا أن القيادة الإيرانية مقتنعة بأن الإدارة الأميركية تحاول تمييع التزاماتها النووية والالتفاف عليها والعودة بالعقوبات من باب البرنامج الصاروخي، وملفات أخرى كدعم الإرهاب وحقوق الإنسان. وهو ما دفع طهران إلى التفكير في احتمال تغيير قواعد الاشتباك في المستقبل القريب، انطلاقاً من الاعتقاد بأن الولايات المتحدة قد تنعكس بالالتزاماتها. لذا، تعمل إيران وفق فكرة إعادة تقييم الاتفاق النووي، ساعية إلى وضع مهل زمنية لتنفيذ كافة البنود عملياً، لا على الورق، وإلا فستعيد النظر بوقفها طوعاً لبعض الأنشطة النووية، الأمر الذي أعلنه أكثر من مئة نائب في البرلمان الإيراني في رسالة إلى الرئيس حسن روحاني.
القراءة الإيرانية للقضية الصاروخية مختلفة تماماً عن الملف النووي، فهي تعرف أنها من دون قدراتها النووية لا يزال بإمكانها المواجهة، ولكن من دون قوتها الصاروخية ستكون هدفاً سهلاً لفرض أي شروط عليها في ملفات داخلية وإقليمية، علاوة على أن أي قرار إيراني بشأن مراجعة الاتفاق النووي، يستوجب وجود قوة عسكرية ردعية قادرة على حمايته.
طهران: لا تفاوض حول التجارب الصاروخية

تشير المعلومات الشحيحة عن التجارب الصاروخية ونوعية الصواريخ الجديدة إلى أن المنطومة الإيرانية باتت أكثر تطوراً وتعقيداً، الأمر الذي يوضح الاستعجال الأميركي والغربي، لمحاولة إيقافه بشتى الطرق، فالمدى الرسمي المعلن للصواريخ الإيرانية هو ألفا كلم، يجري اختبار العشرات منها في مناطق مختلفة في إيران، بعيداً عن الإعلام، وعلى نحو خفي قدر الإمكان عن التجسس الفضائي الأميركي والإسرائيلي. بعض المعطيات تفيد بأن أنواعاً جديدة من الصواريخ باتت في مجال الخدمة الفعلي، وهي صواريخ ليس كثيرة الكمية ولكن تكمن أهميتها في نوعيّتها، إذ من المتوقع أن تكون الأجيال الجديدة من الصواريخ بعيدة المدى قد طورت من أدائها ودقتها وقدرتها التدميرية، بحيث أصبحت قادرة على إصابة أهدافها بهامش خطأ يصل إلى ثمانية أمتار. وبلغة أرقام الصواريخ، فإن هامش الخطأ المذكور يعد إصابة دقيقة مئة في المئة، قياساً إلى مدى الصاروخ البعيد والرأس المتفجر الذي يحمله، إضافة إلى أنه يتمتع بميزة التوجيه وتصحيح المسار، وهي تقنية أُدخلت حديثاً إلى الصواريخ البالستية، من بينها صاروخ «عماد»، بمدى 1700 كلم.
وقد تضمّن تطوير المنظومة الصاروخية معطيات حساسة لوجستياً، تعكس مدى التقدّم الذي أمست عليه الصناعات العسكرية الإيرانية في مجال الصواريخ تحديداً، فصاروخ «عماد» مثلاً أو صاروخ «سجيل» من الجيل الجديد، هما من سلسلة أجيال صاروخية جرى تطويرها والعمل على تزويدها بالوقود الصلب وإنتاج منصات إطلاقها والعمل على هيكلية جسم الصاروخ. كما جرى استخدام مواد خفيفة في صناعة الغلاف ومواد أولية من الألياف الكربونية في جسم الصاروخ، إضافة إلى نوعية خاصة من الطلاء، وكلها عوامل تؤثّر في فاعلية الصاروخ وعملية إطلاقه وتحليقه، مع ما يستلزمه ذلك من تقنيات رصد ومتابعة عبر غرفة تحكم وسيطرة قادرة على نقل الإشارة من وإلى النظام التوجيهي في الصاروخ، ومتابعته رادارياً، واستجابة نظام الملاحة فيه للإشارات المتبادلة لتصحيح مساره وتوجيهه.
تواصل طهران إرسال إشارات متتالية إلى واشنطن مفادها أنها لن تقبل، تحت أي ظرف من الظروف، الخوض في مفاوضات أو نقاشات جانبية في تجاربها الصاروخية. كما أنها ترفع لهجة التهديد، إن كان في مضيق هرمز وعلى امتداد الخليج أو في المجال الصاروخي الذي يمنح إيران القدرة على الوصول إلى كافة القواعد العكسرية الأجنبية البرية والبحرية والعائمة على شعاع 2000 كلم. الحديث عن صواريخ «نقطوية» بالستية، بمدى بعيد، سيمثّل مصدر قلق ليس لأميركا وحدها، بل لإسرائيل أيضاً، التي لم تزح إيران يوماً من دائرة الاستهداف في أي مواجهة مباشرة معها.
والمناورة العسكرية الأخيرة، قبل ثلاثة أشهر، التي نفذها الحرس الثوري، كانت لتمر بشكل عادي، لولا الإشارة التي أطلقها قائد الوحدات الصاروخية، في حديث خاص، عن أن الحرس الثوري قادر على استهداف مواقع انتشار التكفيريين في المنطقة إذا لزم الأمر. كما نوّه بأن مستلزمات الحرب البرية، وخصوصاً في سوريا، ليست بحاجة لهذا النوع من التدخل، وبالتالي فإن الإعلان عن هامش الخطأ البسيط لهذا الطراز، يعني رفع مستوى الجاهزية لضرب أي هدف على شعاع 2000 كلم، قد يمثّل تهديداً لإيران، سواء كان أميركياً أو إسرائيلياً أو تكفيرياً أو حتى حليفاً لأي قاعدة نيران ستنطلق منها هجمات ضد الجمهورية الإسلامية في أي مواجهة محتملة.