تصنّف إيران من بين الدول التي تفرض رسوماً جمركية عالية على مختلف البضائع والسلع المستوردة في مختلف القطاعات. ولعل الانغلاق الاقتصادي والعزلة شبه التامة التي عاشت فيها منذ منذ انتصار الثورة وفرض العقوبات من الأسباب التي ساهمت، بشكل أساسي، في تعزيز رفع هذه الرسوم والتركيز على الإنتاج المحلي اتباعاً لسياسة الاكتفاء الذاتي. الجمهورية الإسلامية، اليوم، أصبحت قادرة على تحقيق 80% من حاجاتها الغذائية والصناعية، بينما اقتصر استيرادها على بعض السلع البسيطة من الخارج. أما النمو الاقتصادي ــ الذي تلعب آلية الصادرات والواردات دوراً كبيراً في تعزيزه في مختلف الدول ــ فقد حاولت إيران التعويض عنه من خلال جباية الضرائب المحلية، وفرض الضرائب الجمركية العالية على السلع المستوردة، وتصريف الإنتاج في السوق المحلية ودول الجوار. يمكن للحكومة الإيرانية أن تزيد إيرادات الضرائب 2.5 مرة، عن طريق سن إصلاحات ضريبية، كما في عام 2012. حينها، شكلت الضرائب 43٪ من إيرادات الحكومة و7٪ من الناتج المحلي الإجمالي لإيران، بينما أوصى تقرير مجلس تشخيص مصلحة النظام بزيادة تلك الحصة إلى 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2014، بلغت حصة الضرائب المباشرة من مجموع الإيرادات الضريبية حوالى 70٪.
تقوم سياسة الواردات في إيران على قواعد صعبة وحساسة، بحيث تقتصر في المسموح على كمية محدودة من الدخانيات والعطور للاستعمال الشخصي، وبعض الهدايا القانونية التي لا تتعدى قيمتها ثمانين دولاراً. أما لائحة الممنوعات، فهي وفيرة مثل الكحول وأجهزة الراديو ذات الموجات القصيرة والفواكه والخضر والمجلات والكتب المناهضة لتوجهات الدولة وغيرها، فيما تبقى الصناعات ومختلف المنتجات غير المحلية تحت قائمة الواردات ذات الرسوم الجمركية العالية. أما في الصادرات، فليس هناك أي منتج واضح في حقول المسموحات والممنوعات. واليوم، بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع السداسية الدولية، ترتقب السوق العالمية تقدماً في هذا الخصوص بموازاة رفع العقوبات، وانفتاح إيران على العالم.
ولكن من الناحية السلبية للسياسة المفروضة، تعاني الدولة، بشكل أساسي، من التهريب، ذلك أن نسبة كبيرة من البضائع تدخل البلاد عبر الموانئ والأرصفة البحرية غير المسجلة في الخليج، وبالتالي تقوّض الصناعات المحلية، في مجالات الطاقة والزراعة والملابس الجاهزة والمنسوجات والأجهزة المنزلية والإلكترونيات...
يقول المحلل الاقتصادي والخبير في العلاقات الدولية هاني حسن زاده لـ"الأخبار" إن إيران، منذ انتصار الثورة عام 1979 وفرض العقوبات، تبني أسسها على سياسة الاكتفاء الذاتي، لأنها تريد أن تتكل على إمكاناتها الذاتية وإنتاجها المحلي، ومن هذا المنطلق انتهجت وضع رسوم جمركية تعتبر من الأعلى في المنطقة، بالتوازي مع وقف استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية. وفي هذا الإطار، اعتمدت سياسة فرض الضرائب على السلع المستوردة القليلة، ذلك أن إيران اليوم تستطيع إنتاج 80% من حاجاتها الغذائية، بينما تستورد نسبة قليلة تتعلق بالتكنولوجيا العالية.
زاده يضيف أنه "بعد التوصل إلى الاتفاق، هناك توجه لدى مجلس الشورى والحكومة لفرض المزيد من الضرائب على البضائع المستوردة، كي تبقى البضائع الداخلية أساسية"، موضحاً أن "رفع العقوبات لا يعني خفض هذه الرسوم، لأن إيران تطمح إلى التعامل مع الخارج لتصدير إنتاجها في مقابل استيراد بعض المنتجات المطلوبة محلياً". وعلى هذا الصعيد، يشير زاده إلى أن "هذا الواقع قد يفتح الطريق أمام بعض المعاهدات التجارية المعقلنة، وخصوصاً أن من أولويات إيران تصدير إنتاجها المحلي، وهي قادرة على أن تصدّر كميات تصل إلى 50 مليار دولار سنوياً".
ويلفت زاده إلى أن "هذه السياسة ستُنتهج من مختلف الدول التي ستتعامل مع إيران، ذلك أن الدول الأوروبية تفرض رسوماً وضرائب عالية"، ويقول "نظراً إلى جدية الموضوع، فإن الحكومة الإيرانية سترفع الإنتاج المحلي، وتدعمه في فترة رفع العقوبات أكثر من أي وقت مضى".
لذا، يخلص زاده إلى القول إن "سياسة إيران، اليوم، مبنية على التكافؤ الاقتصادي، بحيث يتوازن الاستيراد مع التصدير، على نحو يضمن النمو الاقتصادي ويحمي السوق المحلية"، مضيفاً أن "طهران تتبع، كذلك، سياسة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الجوار، تؤدي إلى تصريف الإنتاج المحلي، بشكل أسهل في دول مثل (العراق وأرمينيا وأذربيجان...)، من دون أن يحد هذا الأمر من طموحات الدولة في التصدير العابر للحدود".
وبما أن أياماً قليلة تفصل عن تنفيذ الاتفاق، وبالتالي رفع العقوبات وما يتبع ذلك من انفتاح إيران على العالم بعد ثلاثة عقود من العزلة، فإن الحكومة الإيرانية تسعى، من الناحية الاقتصادية كما السياسية، إلى عقلنة هذا الانفتاح بهدف حماية الإنتاج والاستهلاك المحلي. وبناء على ما تقدم، فإن المرحلة المقبلة قد لا تشهد انخفاضاً أو تغيراً في السياسة الاقتصادية المتبعة، بل قد يتم تعزيزها بدعم أعلى للإنتاج المحلي، إلا في حال توقيع معاهدات للتبادل التجاري، من شأنها في الدرجة الأولى أن تحمي السوق الداخلية.