ما بين التوصل إلى الاتفاق النووي في 14 تموز الماضي ورفع العقوبات، بعد أيام، فصل آخر من التريّث دشّنته مصطلحات جديدة عبّدت، بدورها، طريقاً تلوح في آخره الانفراجة المنتظرة.
في 15 تموز، وبينما كان الإيرانيون يهلّلون ويحتفلون مرحبين بالوفد التفاوضي العائد من فيينا، كان رئيس الوفد وزير الخارجية محمد جواد ظريف يطلع الإعلام والعالم على أن «بدء» تطبيق الاتفاق «سيحصل خلال أربعة أشهر». ظريف اختصر خطوتين أساسيتين بعدد أشهرٍ تقريبي، وما لم يتسنّ له شرحه في لحظتها، راحت تتكشف عنه الأيام التالية، في مواكبة لما نص عليه الاتفاق أو ما اصطلح على تسميته «خطة العمل المشترك الشاملة» بين إيران ومجموعة «5+1».
«اعتماد الاتفاق في 18 تشرين الثاني»، «تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 15 كانون الأول»،... كلها خطوات وتواريخ انشغل بها القاصي والداني، بعدما أُدخلت إلى مفهوم ترتيب الأجواء لاستيعاب وهضم الخطوة الأهم، أي «تنفيذ الاتفاق»، وبمعنى آخر رفع العقوبات بالتزامن مع إيفاء إيران بالتزاماتها. المفارقة أن هذه الخطوة ليست مرفقة بتاريخ محدد، إلا أن آخر المستجدات المرتبطة بها أتت على لسان ظريف، ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، وأيضاً الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذين أعلنوا أن التنفيذ سيحصل خلال شهر كانون الثاني.
بعد مرور 90 يوماً على تبني الاتفاق في مجلس الأمن ــ تحديداً الأحد 18 تشرين الأول ــ اعتمد الاتفاق النووي الإيراني، ضمن ما يُعرف رسمياً بـ«خطة العمل المشتركة الشاملة». وبدأ المسؤولون في إيران والولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى، باتخاذ خطوات لتنفيذ الخطة المرتبطة ببرنامج إيران النووي. لكن ذلك لم يعن أن إيران تخلصت، يومها، من مخزونها من اليورانيوم المخصّب، وفككت ثلثي أجهزة الطرد المركزي، أو حتى أوقفت بناء المنشآت النووية الجديدة. كذلك لا يعني أن الدول الغربية رفعت العقوبات الاقتصادية عن إيران، إذ إن هناك الكثير من الإجراءات التشريعية والإدارية والبيروقراطية التي يجب اتخاذها أولاً ــ من قبل مختلف الأطراف ــ والتي بدأ العمل فيها في «يوم الاعتماد».
بدأت إيران تصدير اليورانيوم المخصّب إلى روسيا وتفكيك أجهزة الطرد المركزي


قرارات الأمم المتحدة/ مجلس الأمن

في 20 تموز 2015، تبنّى مجلس الأمن الاتفاق النووي بين السداسية وإيران، ممهداً لرفع العقوبات المفروضة على إيران. وجاء في الفقرة السابعة من البند الأول من مشروع القرار 2231 الذي اعتمده مجلس الأمن، أن القرارات بين عامي 2006 و 2010، إضافة إلى القرار رقم 2224 لعام 2015، يجب إلغاؤها جميعاً.
لكن هذا الإلغاء مشروط حتى نهاية الفترة الزمنية للقرار الجديد، ويمكن إحياء القرارات القديمة من خلال الآلية المنصوص عليها لإعادة العمل بالحظر. وينص مشروع القرار على أن إلغاء القرارات السابقة يكون بعد تسلّم تقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول التزام إيران كافة التزاماتها، عبر تقليص مخزونها من اليورانيوم، وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي الناشطة، وإيجاد التغييرات اللازمة في «منشأة آراك» للمياه الثقيلة، و«منشأة فوردو». وبعد عشر سنوات على بدء تنفيذ الاتفاق، يُخرج ملف إيران من مجلس الأمن.

إجراءات الولايات المتحدة

يوم «اعتماد الاتفاق»، أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما، إعفاءات بشأن عقوبات إيران، لكنها لن تُطبق إلا في «يوم التنفيذ»، وستتناول مبيعات النفط والنقل والخدمات المصرفية وغيرها. ووجّه أوباما مذكرة إلى وزير الخارجية ووزير الخزانة ووزير التجارة، وأيضاً وزير الطاقة من أجل اتخاذ التدابير المناسبة «لضمان التنفيذ الفوري والفعال لالتزامات الولايات المتحدة المنصوص عليها في خطة العمل المشترك، بموازاة وفاء إيران بالشروط المتوجبة عليها».
بشكل أخص، وجه أوباما قراراً إلى الوكالات الفدرالية لاتخاذ الخطوات المناسبة لذلك، وهو ما سيحدث في يوم تنفيذ الاتفاق، أي عندما تعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران نفذت التدابير التي تتعلق بالبرنامج النووي. علاوة على ذلك، أصدر وزير الخارجية أمراً بإعفاء إيران من العقوبات القانونية، على أن تصبح نافذة في يوم التنفيذ أيضاً. وحتى هذا اليوم، يُمدد ما نص عليه الاتفاق المبدئي، الذي جرى التوصل إليه في 24 تشرين الثاني 2013 بين إيران ومجموعة «5+1».
الاتفاق النهائي لم يدخل حيّز التنفيذ بعد، لكنه سمح للمهتمين بالتعرف إلى نوع العقوبات التي سيجري رفعها. وبناءً على ما نصت عليه خطة العمل المشتركة، فقد أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن معظم العقوبات التي ستُرفَع ستُطبق على المواطنين والشركات غير الأميركية التي تتعامل مع إيران، بينما ستبقى معظم العقوبات مطبقة على المواطنين الأميركيين، في ظل الإجراءات المنفصلة والمفروضة على إيران بحجة «دعمها الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان». ولكن سيُسمَح بمبيع طائرات الركاب المدنية والحرف اليدوية - أبرزها السجاد.

إجراءات الاتحاد الأوروبي

من جهته، اتخذ الاتحاد الأوروبي الإجراء المناسب لإنهاء العقوبات المتعلقة ببرنامج إيران النووي، الذي لن يُطبق إلا «يوم التنفيذ». وفي هذا المجال، اعتمد في 18 تشرين الأول إطاراً تشريعياً لبدء رفع العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة بحق إيران بسبب البرنامج النووي، وذلك وفق بيان مشترك صادر عن منسقة السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
في 31 تموز، اعتمد الاتحاد الأوروبي التدابير الأولى المُمهدة لتنفيذ الاتفاق النووي، من خلال السماح لأعضائه بالقيام ببعض الأعمال والتحويلات المرتبطة مباشرة بأنشطة نووية محدّدة، والتي تخضع لشروط صارمة، بما فيها الإشعار المسبق للجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة بهذا الشأن.
ووفق هذه التدابير، أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي أحكاماً وقرارات لتفعيل بعض «الاستثناءات» لقرارات الأمم المتحدة الموضوعة منذ فترة طويلة، بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.
من هذا المنطلق، بدأت دول الاتحاد الأوروبي ــ التي ساعدت في التوصل إلى الاتفاق النووي ــ العمل مع إيران بشأن وثيقة تحدّد مسؤوليات مشتركة ومحددة، تشمل تغييرات لـ«مفاعل آراك للمياه الثقيلة».
أما الأنشطة الأخرى المقيّدة أو المحظورة، فتبقى في مكانها إلى أن يرفعها رسمياً الاتحاد الأوروبي. وقد نص قرار الاتحاد الأوروبي الصادر في ذلك اليوم، على أن التوقيت الدقيق لرفع العقوبات مرتبط بـ«يوم تنفيذ» الذي يبقى غير واضح، إذ إنه يعتمد على «تحقّق» الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران قامت بالالتزامات الواجبة عليها، وفق خطة العمل المشترك. الاتحاد الأوروبي قرّر، حتى ذلك الحين، تمديد الرفع المؤقت لبعض العقوبات ضد إيران حتى 14 كانون الثاني 2016.

تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية

تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي أُعلن في أوائل كانون الأول، والذي لم يشر إلى أبعاد عسكرية محتملة للبرنامج النووي الإيراني، كان نقطة الانطلاق الفعلية بالنسبة إلى إيران للبدء بتفكيك المفاعلات النووية وتصدير اليورانيوم المخصّب. وقد أعقب هذا التقرير اجتماع مجلس حكماء الوكالة الدولية، في 15 كانون الأول، الذي أُغلق في خلاله التحقيق في أنشطة إيران النووية للأغراض العسكرية.
بناءً عليه، قدّر روحاني أن يبدأ تنفيذ الاتفاق خلال أسبوعين أو ثلاثة. وانطلاقاً من هذه الإشارة، صرّح رئيس المنظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي بأن طهران ستصدر معظم مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى روسيا، خلال الأيام المقبلة، التزاماً منها بالقيود المفروضة على برنامجها النووي، مقابل تخفيف العقوبات الدولية.
ووفقاً لشروط الاتفاق النووي، يجب على إيران خفض مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى نحو 300 كيلوغرام، وإزالة قلب مفاعلها للماء الثقيل في «آراك» حتى لا يمكن استخدامه لإنتاج البلوتونيوم. وهو ما أوضحه صالحي قائلاً إنه «خلال الأيام القليلة المقبلة، سيجري تصدير نحو تسعة أطنان من اليورانيوم المخصب الإيراني إلى روسيا». وهذه تقريباً هي الكمية التي يجب أن تصدّرها إيران لخفض مخزونها إلى المستوى المطلوب.
في السياق ذاته، أكد صالحي أن «إيران بدأت عملية تفكيك العدد المقرر في الاتفاق النووي من أجهزة الطرد المركزي العاملة في مراكزها النووية، بعدما أنجزت تفكيك أجهزة الطرد المركزي غير العاملة». وبشأن موعد إخراج قلب مفاعل «آراك»، أشار إلى أن «التوقيع على اتفاقية أساسية بين إيران والأطراف الأخرى، ومن بعدها سنبدأ التمهيدات اللازمة لإخراج مخزن أو قلب مفاعل «آراك»، ليضيف أن «إيران قالت إنها ستنجز تعهداتها، وفقاً لبرنامج العمل المشترك الشامل للاتفاق النووي، خلال أسبوعين أو ثلاثة، لذا على أطراف 5+1 أيضاً، إلغاء الحظر حتى بدايات شهر كانون الثاني المقبل».