غداة دعوة رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، «العالم الحر»، لمواجهة «الخطر الكامن في الإسلام المتطرف، بفرعيه الداعشي، والإيراني»، لبّت حليفته في «الحرب على الإرهاب»، المملكة السعودية، النداء، بإعدام 47 شخصاً، لمعظمهم علاقات مع تنظيم "القاعدة"، اتهمتهم بـ«المشاركة والتخطيط لهجمات إرهابية في المملكة».
ومن ضمن الذين أعدمهم النظام السعودي، 4 أشخاصٍ، كانت السلطات قد اعتقلتهم، في 2012، بتهمة المشاركة بتظاهرات مناهضة لسلطة آل سعود (منهم اثنان كانا قاصرين في تاريخ الاعتقال)، إضافةً إلى المناضل، نمر النمر، الشيخ المعارض الذي حثّ الشعب على التظاهر السلمي ضد ظلم النظام وطائفيته، في 2011، وطالب بانتخابات ديموقراطية في السعودية. وهو الذي عُرف بموقفه المدين لجميع الأنظمة الديكتاتورية الظالمة، والرافض أن يحسب على أي قوة خارجية.
يعيد إعدام النمر، الذي اتهمته السلطات بـ«نقض البيعة مع ولي الأمر» و« التحريض على التظاهرات»، إلى الواجهة، سجل انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان، الأمر الذي سيتطرق له إعلام الغرب، على عادته، في الأيام المقبلة، بإعادة تدوير السرديات المعتادة. ولذلك لا بد، قبل تعداد انتهاكات النظام السعودي لحقوق الإنسان واضطهاده للأقليات على أسسٍ طبقية، طائفية، عنصرية، وذكورية، أن نبرئ أنفسنا من مفهوم «حقوق الإنسان» في إطاره الغربي، الذي تعد وظيفته الأهم، تعليب السياسات النيو-كولونيالية الغربية في قوالب أخلاقية.
وسيتلو إعلام الغرب، علينا أعداد ضحايا الإعدام في المملكة، خلال السنوات الماضية، ويذكّرنا بالواقع المزري للنساء المنتهكة حقوقهن. وإذا أرادوا أن يذهبوا بعيداً، فسيخبروننا عن واقع العمّال الأجانب، تحت نظام «الكفالة» الاستعبادي (ولكن لن يخبرونا عن العنصرية المؤسساتية التي يتسم بها النظام السعودي، والتي من شأنها تهميش الأفارقة من المواطنين والمهاجرين، لأن ذلك سيلقي الضوء على أنظمة الغرب العنصرية بطبيعتها). وكل ذلك سينطوي في إطار سردية أخلاقية موجهة لحكّام الغرب، الذين، بحسب إعلامهم، يريدون فعلاً «تحرير» شعوب «العالم الثالث» من استبداد الأنظمة الرجعية، وتعليمهم «مبادئ الحرية وحقوق الإنسان»، ولكنّهم، لأسباب تبدو أيديولوجية، ما زالوا ينتهجون سياسات أثبتت فشلها (كالاستعمار، والاحتلال، وإسقاط الأنظمة، والغارات، والعقوبات الاقتصادية والسياسية). منها ينحى المعارضون الغربيون إلى توعية الحكّام على مساوئ سياساتهم. وفي هذا الإطار، نجد مرشح «حزب الديموقراطيين» في الولايات المتحدة (الذي يصف نفسه بالاشتراكي)، بيرني ساندرز، يعبّر بشكل مستمر عن احترامه الشديد لـ«عرّابة الحروب» هيلاري كلينتون، ويشدد على أن كل ما في الأمر، أنه «يختلف معها بالآراء والسياسات».
وقد نجد من يرى أن الأمر أعمق من مسألة فشل سياسات، ويصوّرها على أنها مسألة تخاذل وتبعية، كالصحافي والكاتب، روبيرت فيسك، الذي يرى أن زعماء الغرب، يعلمون جيداً ما عليهم القيام به، ولكنّهم عالقون في «المشكلة المحرجة التي تهيمن على علاقتهم مع الشرق الأوسط: الحاجة المستمرة للتذلل لأغنياء وحكّام الخليج»، بهدف الحصول على أموالهم. ويقلب، بذلك، فيسك، المعادلة النيو-كولونيالية القائمة فعلاً بين «العالم الأول» و«الثالث»، راسماً صورة تبعية غربية للخليج، تغيّب مسؤولية الغرب عن وجود وبقاء هذه الأنظمة، كامتدادٍ مباشر لهيمنتهم.
للنظام السعودي، بطبيعة الحال، سجل حافل من الاعدامات، حيث نفّذت السلطات، منذ عام 2007، ما لا يقل عن 875 حكم إعدام، منها 157 حكماً بتنفيذ «حد القتل» أصدرت، العام الماضي، عقب صعود سلمان بن عبد العزيز، إلى كرسي الملك، بحسب «منظمة العفو الدولية»، في تهمٍ تراوح ما بين السرقة، و«الزنا» والاتجار بالمخدرات وصولاً إلى «التآمر على المملكة» و«الإرهاب».
وليست كثرة الاعدامات، إلا الوجه العام لوحشية النظام، وهو ما تشترك فيه السعودية مع أنظمة عديدة حول العالم، كالولايات المتحدة (مع أنه لو احتسبنا أعداد الذين يقتلون على أيدي الشرطة الأميركية، وخاصة من المواطنين السود، سنجد الرقم يتعدى 1134، خلال العام الماضي). والأوجه الأخرى عديدة، كحال العمَال الأجانب، الذي يصفها، الباحث الأميركي من «مركز الحرية» في نيويورك، دانييل غرينفيلد، بـ«العبودية»، موضحاً، «هم ليسو عبيداً، وهذا ما يجعلهم أقل أهمية، وأكثر قابلية للاستبدال». ويباع «العبيد» (ما قد يشير إلى عمّال المنازل، أو إلى عبيد بكل معنى الكلمة، وفي الحالتين تسلب حقوقهم تحت إطار نظام الكفالة)، على مواقع التواصل الاجتماعية، كما تنقل لـ«الأخبار» وإحدة من سكان المملكة (غير المواطنين). ويرى غرينفيلد أن السعودية دولة «قائمة على العنصرية»، إذ إن 10% من المواطنين محرومون حقوقهم «لأنهم سود»، إذ لا يتاح للرجال الاسود الوصول، إلا لمناصب محدودة في الحكومة، ويمنعون من تولي مناصب في القضاء والأجهزة الأمنية، والدبلوماسية، ورئاسة البلديات، والعديد من المناصب الرسمية. ويشير «معهد شؤون الخليج لحقوق الإنسان»، إلى أنه «لا توجد إمرأة سعودية واحدة، من أصل افريقي، مديرة مدرسة». وذلك غير اضطهاد الأقليات الدينية، من الشيعة والمسيحيين وغيرهم، الذين يمنعون من ممارسة شعائرهم الدينية، ويتعرضون للمضايقات والاعتقالات بشكل مستمر، ويمنعون من المشاركة بالحياة المجتمعية، والذين تستغلّهم السعودية لأغراض سياسية في علاقاتها الخارجية، الإقليمية منها والدولية. وإضافةً إلى كل ذلك، تضطهد السلطة الناشطين والمعارضين السياسيين، الذين تعتقلهم، يتعرضون إلى التعذيب، والأحكام التعسفية كالجلد، وغيرها. وتعاني النساء في السعودية اضطهادا شديدا، إذ تمنع المرأة من الحصول على جواز سفر، والسفر، والتعليم العالي، إذا لم تأتِ بموافقة كفيلها الشرعي (الأب، الزوج، الأخ، الابن)، كما عليها الالتزام باللباس الشرعي.

ويشير الباحث في مركز «تشاثم هاوس» للأبحاث، حسن حسن، إلى أنه «من الواضح أن الولايات المتحدة، هي الوحيدة القادرة على إنهاء هذه الأشكال من الاضطهاد في السعودية، والخليج عامةً. ولكنهم لا يريدون ذلك»، ويترجم هذا الواقع ليغيّب في الوعي الغربي، الذي تصنعه وسائل الإعلام، في الكثير من الأحيان، عبر لغة ليبرالية «تحترم الاختلاف الثقافي»، إلى فوقية استشراقية تعتبر فيها الشعوب العربية، متخلفة، تستحق، أنظمتها القمعية، بل وترغب بها. وهذا ما يبرر سياسات الغرب تجاه المنطقة، المبنية على المصلحة أولاً وأخيراً، وإن أخفيت بقوالب أخلاقية.