التكيّف الإسرائيلي في مواجهة إرادة الانتفاضة

  • 0
  • ض
  • ض

شكّلت عملية الدهس التي نُفّذت قبل يومين على مدخل القدس، وما سبقها وما سيتلوها، تحدّياً لسياسة التكيّف والتعايش، الذي تحاول القيادة الإسرائيلية الترويج له كخيار، من ضمن استراتيجية أشمل، للتعامل مع الواقع الأمني الذي فرضته الانتفاضة الفلسطينية. وتأخذ هذه السياسة الإسرائيلية أشكالاً متعددة على المستوى السياسي والإعلامي والدعائي. وهي موجهة باتجاهين: إزاء الجمهور اليهودي والجمهور الفلسطيني. فبعد مضي نحو 10 أسابيع على بدء الانتفاضة الفلسطينية، باتت العمليات التي ينفّذها الشباب الفلسطيني كما لو أنها جزء من برنامج الحياة اليومية للجمهور الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن زخم الانتفاضة بات يُقاس بمفاعيله على الساحة الإسرائيلية، أكثر من النتائج التي يترتّب عليها، خاصة أن ظلالها الأمنية والنفسية تلقي بثقلها على الجمهور الإسرائيلي. سياسة التكيف، كخيار إسرائيلي أوّلي، لم تنطلق، بل تبلورت تدريجاً، بعد سقوط الرّهان على خمود الانتفاضة ذاتياً، أو نجاح قمعها في المدى المنظور. وساد في المراحل الأولى من الانتفاضة، رهانٌ على أن تكون العمليات ليست سوى حدثٍ عابر أو ردة فعل إنفعالية، لا تلبث أن تخمد، لاحقاً. لكن مع استمرارها وحفاظها على قدر من الزخم الكمّي، كان كافياً لإثارة أجواء الرعب في الرأي العام الإسرائيلي، وفرض على القيادة الإسرائيلية تحديات أمنية وسياسية. لذلك، عملت حكومة نتنياهو على خطوط عدّة، متوازية، ومتكاملة. وتتضمن إجراءات وقائية، وأخرى قمعية وردعية أو خطاباً سياسياً مدروساً وموجّهاً، للجمهور اليهودي الإسرائيلي، وآخر للجمهور الفلسطيني.

توقع جون كيري أن «إسرائيل ستتعرض لهجمات أشد خطورة»
وإزاء الجمهور الإسرائيلي، اعتمدت حكومة نتنياهو خطاباً يحرص على وصف الانتفاضة بـ«موجة إرهاب». تأتي امتداداً لما واجهته إسرائيل طوال تاريخها. وأراد نتنياهو من خلال هذه المقولات التشديد على أن أي إجراء سياسي، لا ولن يحول دون التعرض للعنف من قبل الفلسطينيين، الذي يأخذ أشكالاً متعددة، بحسب المرحلة، والظروف المحيطة. كما هدف صانع القرار في تل أبيب للقول لجمهوره، بأن ما يواجهه هو أقل السيناريوهات سوءاً. لأن البديل من ذلك إقامة دولة فلسطينية، لن يكون واقعها مغاير للدول المحيطة بها، التي ضعفت فيها السلطة المركزية وانتشر فيها الإرهاب. ويندرجُ في الإطار نفسه بعض المقاربات التي تناولها مختصون، بالمقارنة بين العمليات الحالية وما واجهته إسرائيل خلال الانتفاضتين السابقتين. وتهدف هذه المقاربات أيضاً إلى القول إن القيادتين السياسية والأمنية، نجحتا في الحؤول دون السيناريو الأسوأ، في حين أن الطرف الفلسطيني والعربي كان له الدور الأساسي في انتاج الواقع القائم. من هنا، يسعى هذا الخطاب الدعائي إلى القول إن الانتفاضة ليست إلا خطوة تراجعية في النضال الفلسطيني. مع ذلك، لا يعني خيار التكيّف، البقاء في موقع ردة الفعل، بل يأتي كجزء من استراتيجية أشمل تحوي إجراءات قمعية مختلفة، وتردع الشارع الفلسطيني، أو تدفّعه أثمان تبنيه واعتماده خيار الانتفاضة، دون أن تصل الإجراءات إلى انفجار فلسطيني واسع. وتخدم حالة التكيف الخيار السياسي، الذي يتبناه معسكر اليمين. أما عن مدى نجاحه، فيحدّده موقف الرأي العام، من الخيارات السياسية التي يطرحها معارضو الحكومة ومن إجراءاتها. في غضون ذلك، يأتي رفض القيادة الإسرائيلية تقديم ما تسمّيه تنازلات سياسية لمصلحة الطرف الفلسطيني، كجزء من سياسة الردع بالمنع، وإشعار الشارع الفلسطيني بأن مواصلة الضغوط على الجانب الإسرائيلي، لن يؤدي إلى أي تراجع في مواقف الأخير، ولن يغير من سياسة الاستيطان. أما القيادة الإسرائيلية، فتريد أن تثبت أن خيار التكيف مع الواقع الأمني باعتباره البديل الممكن بين الخيارات الأخرى. بالتوازي مع التأكيد أن الأجهزة الإسرائيلية تعمل على إجراءات إضافية وتهدف إلى محاولة تقليص الخسائر البشرية الإسرائيلية. في المقابل، إن أي تراجع في زخم الانتفاضة سيشكل انتصاراً مدوياً للطرف الإسرائيلي، ويؤكد له رهانه على إمكانية الجمع بين الاحتلال والاستقرار الأمني. إضافةً، إن تراجع الانتفاضة، يدل على صحة رؤية اليمين الإسرائيلي بعدم تقديم «التنازلات». من جهة أخرى، ينبغي التأكيد على حقيقة أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى من يحدد له خياراته النضالية، لكن من باب التوصيف والتقدير، فإن الحد الأدنى من الرد الفلسطيني على السياسة الأمنية والدعائية الإسرائيلية، تكمن في استمرار زخم الانتفاضة والمحافظة على المنسوب الذي يعزز تفاقم تدهور الشعور بالأمن الشخصي. وكما هي الحال مع كل صور المقاومة فإن المفاعيل المفترضة للانتفاضة مشروط باستمرارها ومحافظتها على زخمها الذي يلقي بثقله على الواقع الأمني والنفسي في الساحة الاسرائيلية. وكما أن العدو يحاول توجيه رسائل تهدف إلى تيئيس الشباب الفلسطينيين من جدوى هذه العمليات، ويساعدهم في ذلك آخرون، فإن استمرار زخم الانتفاضة يشكل رسالة مضادة سوف تؤدي بالضرورة إلى إشعار الإسرائيلي بعدم جدوى الدعاية التي يروج لها مع أعداء الانتفاضة في الساحتين الفلسطينية والعربية. وينبغي إدراك حقيقة أنه مهما حاول العدو الإيحاء بأنه على استعداد للتكيف مع الواقع الأمني الذي يضغط على الواقع الشعبي، فإن استمرار العمليات الفلسطينية، سوف يكون له تداعياتها على الداخل الإسرائيلي بصورة أو بأخرى. في هذا السياق، ذكر المعلّق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن الأجهزة الأمنية تحاول تحديد «نقطة تحول»، بوجود خلايا لإطلاق النار، والعبوات الناسفة، أو أوامر من جهةٍ عليا. وفي الآونة الأخيرة، بدا أن هناك مؤشرات أولية، في هذا الاتجاه. لكن لم يجرِ التحقق حتى الآن. ولفت هرئيل إلى أن «استمرار العمليات في الضفة، يضع العلاقات بين الجيش والمستوطنين في امتحان»، إذ تزايدت الانتقادات في الخليل، تحديداً، من قبل اليمين المتطرف، تجاه سياسة الجيش المتهم بـ«ضبط النفس أمام الإرهاب». في سياقٍ آخر، وجّه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، انتقاداً واضحاً لسياسة إسرائيل ضد الفلسطينيين. وفي مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، أعرب كيري عن «إحباطه من سياسية حكومة نتنياهو». وعلّق قائلاً: «لن تستطيع إسرائيل أن تكون دولة يهودية وديمقراطية في المستقبل دون أن تتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين». ووفقاً للقناة الثانية، قال كيري إن «إسرائيل ستتعرض لهجمات أشد خطورة»، فاستمرار البناء الاستيطاني وهدم منازل الفلسطينيين ليس حلاً. وإن بقيت إسرائيل «تجلس وتنتظر فالصواريخ ستتطاير وستشتد العمليات ضدها»، مضيفاً أنّه عمل بـ«كل القوة للتوصل لاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين». ورأى المسؤول الأميركي أن «جميع الأوراق بيد إسرائيل». في وقتٍ، قالت فيه مصادر مقرّبة من كيري، إنه يشعر بالإحباط من نتنياهو. فحلم حل الدولتين بدأ بالتلاشي، محذّراً أن إسرائيل في طريق دولة ثنائية القومية، ولا يمكن أحداً إدارتها. كذلك حذر كيري من انهيار السلطة الفلسطينية، معرباً عن خشيته من انهيارها. وأشار إلى أن «الأمر سيجلب مزيداً من أعمال العنف والفوضى، ولا سيما حينما يجد ثلاثون ألف رجل أمن فلسطيني أنفسهم بلا عمل أو رزق يعتاشون منه». في غضون ذلك، أعاد وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون، مرة أخرى، الاعتراف بمعرفة المجموعة المنفّذة لجريمة حرق وقتل عائلة دوابشة، لكنّه ادّعى «عدم وجود أدلة كافية ضد هذه المجموعة لإدانتها». وجاءت أقوال يعلون في لقاء مع إذاعة الجيش، «جالي تساهل»، أمس، لافتاً إلى أن حرق عائلة دوابشة، في بلدة دوما، جنوبي نابلس، هو «إرهاب يهودي مدان». وأكّد أن الأوساط الأمنية تعرف تماماً المجموعة التي نفذت العملية الإرهابية، لكنّه حاول تبرير عدم تقديمهم للمحاكمة، والكشف عنهم، لما وصفه «بعدم وجود أدلة كافية ضد هذه المجموعة» . يذكر أن الإعلام العبري، نشر أخيراً كشف أجهزة الأمن الإسرائيلية منفذي عملية حرق عائلة دوابشة. واعتقل عدد من المشتبه فيهم في القضية. كذلك فرضت رقابة على تفاصيل التحقيقات. ولا يزال عدد منهم قيد الاعتقال لدى جهاز «الشاباك»، الذي يرفض السماح للمحامين بلقائهم، فيما أُفرج أخيراً عن أحد المتهمين، وحُوِّل إلى الاعتقال البيتي.

  • يحاول صانع القرار في تل أبيب القول لجمهوره إن ما يواجهه هو أقل السيناريوهات سوءاً

    يحاول صانع القرار في تل أبيب القول لجمهوره إن ما يواجهه هو أقل السيناريوهات سوءاً (أي بي أيه )

0 تعليق

التعليقات