مصير رئيسة البرازيل يتحدد اليوم: تصويت سري مخالف للدستور على إنشاء لجنة خاصة بالإقالة

  • 0
  • ض
  • ض

تنتظر البرازيل اليوم أن تفصل المحكمة العليا في ما إذا كان يحق للبرلمان إقالة رئيسة البلاد، أو أن ذلك من حق مجلس الشيوخ حصراً. وفيما يبدو الموقف الدستوري للرئيسة، ديلما روسيف، قوياً جداً، إلا أن تحالف المصلحة بين نائب الرئيسة والمعارضة يطمح إلى أن يأتي قرار المحكمة لمصلحة «الانقلاب»

لم يكن صوم نائب الرئيسة البرازيلي، ميشال تامر، عن المواقف طوال الأشهر الماضية تعبداً، بل انتظاراً للفرصة المناسبة التي ينقض فيها على روسيف، في أكثر الأوقات حساسية وخلطاً للأوراق. قرأ تامر المرحلة بدقة: سقوط مدوٍّ لليسار في الأرجنتين وفنزويلا، وارتباك حكومي حال دون معالجة أسوأ تضخم تعيشه البرازيل منذ عام 1992، وإتمام الصفقة بين الحزب «الاجتماعي الديموقراطي» اليميني المعارض، وبين رئيس البرلمان، إدواردو كونيا، عضو حزب «الحركة الديموقراطية» (الذي يرأسه تامر)، الحليف الرئيسي لـ«حزب العمال» الحاكم. حاول كونيا مقايضة روسيف على حمايته من قضايا الفساد التي أثبتت التحقيقات تورطه فيها، مقابل رفض طلب المعارضة عقد جلسة تشريعية استثنائية تفضي إلى تأليف لجنة برلمانية للبدء بعملية إقالة الرئيسة، لترفض الأخيرة العرض، وتطالب بتسريع التحقيقات ومحاكمة الفاسدين، حتى لو كانوا من أقرب المقربين. وأعطى ذلك المعارضة سلاحاً حاسماً لبدء المسار القانوني لإقالة الرئيسة، بعد ضمانات لكونيا بتوفير الحماية له، مقابل عقد الجلسة المنتظرة. ولم يكتف رئيس البرلمان بتلبية طلب المعارضة، بل لجأ إلى إجراء تصويت سري على إنشاء اللجنة الخاصة بالإقالة، في مخالفة للدستور الذي يلزم النواب بالتصويت العلني حين يتعلق الأمر بإقالة الرؤساء.

أوقف القضاء قرار البرلمان إقالة روسيف، بانتظار «المحكمة العليا»
مخالفة كونيا جاءت لترتيب «الانقلاب» الذي قام به عدد من نواب «الحركة الديموقراطية»، الشريكة في السلطة، بأوامر من تامر نفسه، ما أفضى إلى موافقة 272 نائباً، مقابل اعتراض 199، على إقالة روسيف بتهمة الانتفاع من اختلاسات قام بها مقربون منها. انقلاب تامر لم يرحم حتى رئيس الكتلة البرلمانية لحزبه، جورج بيساني، الذي أُقيل بعد اعتراضه على ما سمّاه المسرحية الهزلية التي قام بها الثنائي كونيا - تامر، بالشراكة مع المعارضة، لترتيب انقلاب غير دستوري ومخالف للقوانين والأنظمة البرازيلية، التي تنص بوضوح على أن إقالة الرئيس تكون إذا ما ثبت تورطه في الخيانة العظمى أو سوء الأمانة، وهو ما لم يتحقق في الرئيسة الحالية. ترتيب المعارضة للانقلاب جوبه بتدخل مجلس القضاء الأعلى، الذي التفت إلى أن عملية الإقالة تأتي على خلفيات سياسية، وتشوبها الكثير من المخالفات، فأوقف العملية البرلمانية حتى اليوم، لدراسة الملف بخلفياته القانونية، خصوصاً بعد رفع «الحزب الاشتراكي البرازيلي»، أبرز حلفاء «حزب العمال»، مطالعة قانونية إلى المحكمة العليا، مفادها أن عملية الإقالة تنحصر في مجلس الشيوخ، بحسب التعديل الدستوري لعام 1988، الذي جرى تطبيقه عام 1992، حين أقرّ مجلس الشيوخ إقالة الرئيس فرناندو كولور. لجأت المعارضة إلى خيار الشارع للضغط على المحكمة العليا، بغرض تسهيل عملية الإقالة عبر اللجنة البرلمانية التي تضمن عزل روسيف، ودون تحويل الملف إلى مجلس الشيوخ، حيث ترجح كفة حزب «العمال» وحلفائه. مسارعة المعارضة تأتي لقطف اللحظة السياسية المناسبة، بحسب قراءتها، لإقصاء العماليين الذين سيبتعدون عن المشهد السياسي لوقت طويل، في حال حصول عملية العزل. إلا أن النتيجة أتت بأسوأ من أسوأ التقديرات، في ظل الاستياء الشعبي العارم من تحالف المصلحة الذي جمع رموز الفساد بغية إقالة روسيف وتنصيب تامر، الذي ستكون مهمته الأولى تبييض سجلات شركائه، تحت ستار الاستجابة لأكثرية الشعب البرازيلي التي تطالب بتنحية روسيف. فشل الاحتجاجات الشعبية التي لم تجمع إلا عشرات الآلاف، في كافة المناطق البرازيلية، أعاد للمحكمة العليا دورها القانوني البعيد عن ضغط الشارع؛ وعليه، بدأت المحكمة بمراجعة القوانين وطلب الاستيضاحات، وأبرزها من المدعي العام التمييزي، سيلسو أنطونيو دي ميلو، الذي أكد أن التصويت السري في البرلمان مخالفة دستورية، وأن هذا الإجراء يتطلب تصويتاً علنياً على أن يكون اتخاذ القرار النهائي من مهمات مجلس الشيوخ حصراً، بحسب المادة 52 من الدستور. اتخذت إذاً المؤسسات القضائية البرازيلية دورها المسؤول في حسم الجدل السياسي والقانوني لعملية الإقالة؛ وهو دور يبرز أهميته انسداد الأفق بين الأحزاب السياسية التي باتت تعبّئ جماهيرها دون الالتفات إلى الواقع الاقتصادي المتردي بفعل اللاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد منذ بدء النقاش حول تغيير السلطة السياسية المنتخبة من الشعب، ودون أسباب وجيهة. ويتحدث مقربون من «حزب العمال» عن أن جوع تامر للرئاسة، ومقايضة كونيا التي جعلته في عين المعارضة، نقطتا ضعف أخذتا الثنائي المذكور وحلفاءه إلى قراءة انفعالية للمشهد البرازيلي، ما أسدى خدمة كبيرة لـ«حزب العمال»، الذي لن ينقذه إلا حماقة معارضيه.

  • اتخذت المؤسسات القضائية دورها في حسم الجدل السياسي والقانوني للإقالة

    اتخذت المؤسسات القضائية دورها في حسم الجدل السياسي والقانوني للإقالة

0 تعليق

التعليقات