بعدما اختتمت دورته الـ68 قبل فترة وجيزة، استرجعت صحيفة «المصري اليوم» في 8 حزيران (يونيو) الجاري حادثة بارزة جداً وقعت في الخمسينيات في «مهرجان كان السينمائي الدولي».في عام 1956، ضجّ «كان» بحضور الفيلم المصري «شباب إمرأة» (قصة وسيناريو أمين يوسف غراب، وإخراج صلاح أبو سيف). لكن الضجيح حول الفيلم، لم يكن لأنّه مصريٌ فحسب، في وقتٍ كانت العلاقات المصرية ـ الفرنسية السياسية سيئة للغاية على خلفية دعم نظام الرئيس جمال عبدالناصر للثورة الجزائرية، بل بسبب حنكة منتج الفيلم رمسيس نجيب وأسلوبه في تخطي مشاعر «الكراهية» و«الاستخفاف» التي استُقبل بها الوفد المصري في البداية. كان الصحافيون الفرنسيون (وإدارة المهرجان ضمناً) يسخرون من الوفد المصري باستمرار بسؤالهم عن جنسياتهم: «هل أنتم إسبان؟ هل أنتم فيتناميون؟ هل أنتم كذا؟». وفي ذلك إصرار على إهانتهم. كان الحل أمام نجوم الفيلم المصري إما الرحيل بصمت، أو محاولة إحداث تغيير في الجو من خلال تقديم صورة حقيقية عن أنفسهم وعن بلادهم.

برز ذكاء المنتج نجيب من خلال تنبهه لافتتان الأجانب بالأجواء الشرقية والسحر الذي تُحدثه فيهم، لا سيّما أنّهم يأتون إلى الشرق لمجرد الاستمتاع بهذه الأجواء، فكيف إذا حضر هذا الجو بنفسه إليهم؟ طلب رمسيس يومها من نجمة الفيلم الراقصة الشهيرة تحية كاريوكا أن تلبس الزي التقليدي الشعبي المصري: الملاية اللف والمنديل البلدي، فضلاً عن الخلخال المزركش في القدم. باختصار، طلب منها ارتداء الثياب نفسها التي ترتديها في الفيلم. «تحيّة» لم تمتثل للأمر فحسب، بل إنّها سرعان ما «تقمّصت» الدور أكثر، فصارت تحدّث المصوّرين والصحافيين والنجوم الذين يقتربون منها بنفس اللكنة والمنطق المناسب لشخصيتها في الفيلم.

ارتدت تحية كاريوكا الزي
التقليدي الشعبي في «كان»
في عام 1956

حتى إنّ الممثل الفرنسي المعروف ميشال أوكلير (فاز فيلمه Funny face مع النجمة أودري هيبورن في العام الذي تلاه بالسعفة الذهبية للمهرجان) اقترب منها ضاحكاً، وهو يسأل: «هل يمكن لهذا الطالب الفرنسي (في إشارة إلى نفسه) أن يسكن لديكِ؟» في إشارة إلى الفندق (البانسيون الصغير) الذي تمتلكه بشخصيتها في الفيلم المذكور. فهي كانت تؤدي دور المعلمة «شفاعات» التي تُسكن البطل شكري سرحان (يؤدي دور طالبٍ قادم من الريف) لديها في الفيلم.
قابلت كاريوكا سؤال أوكلير بلطفٍ شديد وأخبرته بأنّه ليس لديها أماكن شاغرة حالياً، لذلك عليه أن يبحث في آخر الشارع عند المعلمة «أنصاف». الحادثة الثانية التي سببت ضجةً إعلامية كبرى هي حينما شاهدت النجمة المعروفة جينجر رودجرز (حازت ترتيب رابع أفضل ممثلة في تاريخ هوليوود بحسب معهد الفيلم الأميركي) كاريوكا باللباس المصري، فانبهرت بها واقتربت منها وهي تشير إلى الحلق المزركش الذي تضعه كاريوكا في أذنها، وصاحت: «رائع... رائع». في البداية، لم تفهم النجمة المصرية ماذا يحدث، لكنها ابتسمت كعادتها، فأخبرها أحد المترجمين بأن رودجرز مبهورة بالحلية، فخلعتها كاريوكا وقدّمتها هدية للنجمة الأميركية، التي رفضت أخذها لأّنها بذلك قد تؤثر على «الجمال الشرقي» للشخصية. لكن «تحية» أصرّت على تقديم الهدية، وبالفعل حال عودتها إلى الفندق أرسلتها لها مع رسالة منها إلى روجرز. لم يفز «شباب إمرأة» بأي جائزة في «مهرجان كان»، لكن الضجة التي سبّبها كانت كافية ليظل العالم يتذكر حينما «غزت» الملاية اللف السجادة الحمراء.