دمشق | بقعة دم كبيرة على إسفلت أحد الشوارع الخلفية لضاحية الشام الجديدة؛ سالت من خروفٍ واجه مصيره باستسلام لسكين قصّاب. ربّما وجد الأخير أنّه كان محظوطاً اليوم باعتبار أنّ مشهد الذبح الروتيني الذي يأتي في صميم مهنته، سيأتي هذه المرّة ضمن سياق أحد مشاهد لوحات «بقعة ضوء 11» (إخراج سيف الشيخ نجيب، إنتاج سما الفن) الذي زارت «الأخبار» كواليسه أخيراً.
الخروف ذُبِحَ احتفاءً بزيارة ممثلٍ شهير للحارة، لكنّه حقيقةً ليس إلا شخصاً عادياً (الممثل مهند قطيش)، اعتاد الإفادة مما اعتبره طويلاً ميزة شبهه بأحد نجوم الدراما. هكذا، يعبر الحواجز بسهولة، ويتحلق حوله الأطفال، ويجتهد مَنْ يصادفه لالتقاط الصور معه، إلى حين حدوث ما لم يكن في حسبانه. يجاهر الممثل الحقيقي بموقفه السياسي، معلناً انضمامه إلى المعارضة، لتتبدّل الحال كلياً، وسط محاولات الصورة المحمومة للتبرّؤ من الأصل بسبب المستجدات الخطيرة. هذه إحدى المفارقات العبثية التي تلتقطها لوحات السلسلة الانتقادية الشهيرة، بجزئها الجديد لموسم دراما 2015، وتحاول فيها تسليط الضوء على تناقضات المجتمع السوري وسط معمعة الحرب.
زيارة كواليس «بقعة ضوء»، تعني التواصل المكثف مع إدارة الإنتاج، لرصد موقع وجود فريق العمل الذي يتغيّر مراتٍ عدّة خلال اليوم الواحد، إذ يتنقّل في دمشق، مدجّجاً بأدواته كمعدّات التصوير، ومولّد الطاقة الكهربائية، وكرفان الملابس والماكياج، وغيرها، ما يؤكد أن ظروف تصوير هذا العمل من الأكثر صعوبةً بالنسبة إلى صنّاع أي عملٍ تلفزيوني سوري، منذ انطلاقة هذه التجربة قبل 15 عاماً.
هذا بينما يسابق القائمون على العمل الزمن للحاق بموسم العرض الرمضاني، حيث يتم الإعداد لتصوير اللوحة الواحدة، وتنفيذها خلال زمن قياسي. حتى إنّ بعض اللوحات لا يزال قيد الكتابة، وخصوصاً تلك التي يكتبها ممدوح حمادة، استمراراً في نهجه بمواكبة طزاجة الحدث.
الممثل مهند قطيش أكدّ لنا أنّ «ميزة «بقعة ضوء» هي التجدّد عبر مواكبته لتطوّرات الأحداث المتسارعة الجارية في البلاد، وبقاؤه وفيّاً لجرأته، إضافة إلى صلته الوثيقة بالناس والشارع»، مشيراً إلى أنّ اللوحات التي صوّرها «تتمتع بمستوى ممتاز، ولا تشبه ما قُدمّ سابقاً».
كلام قطيش أتي في إطار الإجابة عن سؤال «الأخبار» حول جديد «بقعة ضوء 11»؟ هذا السؤال قاد إلى نقاشٍ أثرناه مع فريق العمل خلال زيارتنا للكواليس، حول مستوى جرأة طرح المواضيع، وسط ما يُقال عن تراجع جرعة الجرأة في هذا العمل خلال الفترة الأخيرة، بعدما كان متقدّماً بذلك على غيره من الأعمال التلفزيونية السوريّة، الأمر الذي حقق له رصيداً قوياً لدى المشاهد العربي عموماً، والسوري خصوصاً.

«حب في زمن اللاكهرباء»
هو عنوان طريف لإحدى
اللوحات

وجدنا ما يمكن أن يقدّم إجابة عن تساؤلنا، إذ أوضح الممثل غسان عزب أنّ «الحذر بات جزءاً من يومياتنا كسوريين، وكذلك التحدّي، وهذا ما ينعكس على مسلسلاتنا، ومنها «بقعة ضوء» الذي طالما شكّلت لوحاته مرآة للمجتمع والناس، وتتناول في الجزء الجديد تداعيات الأزمة الإنسانية والاجتماعية علينا، بشكلٍ واضحٍ وملموس».
هنا، قدّم مصمم الملابس الفنّان حكمت داود تفسيراً ربّما يكون أكثر وضوحاً، لخصه بالقول: «بقعة الدم المنتشرة على امتداد سوريا، أكبر من أي بقعة ثانية يمكن تسليط الضوء عليها، وليس سهلاً مواكبتها أو محاكاتها إلا عبر جزئيات معينة. وأمام ذلك كلّه، لا ينبغي للعمل في الدراما أن يتوقف، فهي تعبّر عن هذا المجتمع، وتتأثر بما يمر به الناس في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتطرح آلامهم وآمالهم».
تبدو أزمات المواطن السوري التي أفرزتها الحرب، والأزمات السابقة لها، حاضرةً بلوحات «بقعة ضوء 11»، علماً بأنّ أحد عناوينها الطريفة هو «حب في زمن اللاكهرباء».
يشارك في كتابة اللوحات هذا العام أيضاً: مازن طه، ديانا الفارس، أدهم مرشد، معن سقباني، رضوان شبلي وزياد العامر. ويضم على قائمة أبطاله: أيمن رضا، عبد المنعم عمايري، محمد حداقي، فادي صبيح، خالد القيش، محمد خير الجرّاح، أندريه سكاف، مهند قطيش، أدهم مرشد ورنا شميس، إضافة إلى: ميسون أبو أسعد، وفاء موصللي، مرح جبر، لينا حوارنة، تولاي هارون، نزار أبو حجر، جمال العلي، جرجس جبارة، محمد خاوندي، فوزي بشارة، غسان عزب، محمد قنوع، علي كريم، بشار اسماعيل، سوسن ميخائيل، هدى شعراوي، غادة بشور، دانا جبر، فاضل وفائي، مازن عباس، طلال مارديني، مازن الجبة، وائل شريفي وآخرين.