هذه الأيام من شهر نيسان في كل سنة، محجوزة للأجساد والحركة ضمن «ملتقى بيروت للرقص المعاصر» (بايبود) الذي يفتتح دورته الـ14 عند الثامنة والنصف من مساء اليوم في D Beirut (الكرنتينا ــ شمال بيروت)، ويستمر حتى 27 نيسان الجاري. لقد مضى نحو 14 عاماً على إطلاق هذا الموعد السنوي من قبل فرقة «مقامات». صارت السنوات كافية للنظر إلى التجربة التي راكمها المهرجان، وقدّم فيها أبرز وجوه الرقص المعاصر في العالم إلى الجمهور اللبناني مثل أكرم خان، وسيدي العربي الشرقاوي، وراسل ماليفان، وفيم فانديكيبوس، وكارولين كارلسون، ولوتز فورستر وواين ماكريغور وغيرهم… والأهم أنه ربى جمهوراً بات عنصراً أساسياً في هذا اللقاء. قد تتفاوت البرامج بين دورة وأخرى، بحسب التحديات والظروف التي يؤكّد مؤسس المهرجان عمر راجح أنها لا تزال تواجهه، كغيره من الفعاليات الثقافية في المدينة، وخارجها، إن وجدت. لكن المنظمين لم يعد بإمكانهم التراجع عن تقديم برنامج مكتمل ومتنوّع يجمع الرقص مع اللقاءات والنقاشات وعروض الأستوديو والمعارض التي تحتفي كلها بالجسد كما نرى في الدورة الحالية. هذا جزء أساسي من رؤيا الحدث الذي يزوره هذه السنة حوالى 50 مدير مهرجان رقص من العالم، ضمن الشراكة مع شبكة APAP الأوروبية، وآخرين بدعوة خاصة من المهرجان. على هامش النقاش العالمي حول المشاركات النسوية ودورها المهمّش في الأعمال والمنصات الفنية في العالم، وتحديداً في مجال الرقص المعاصر، يخصص «بايبود» دورته الحالية «إلى كل النساء»، كما قالت مديرة المهرجان ميا حبيس. في خطوة ملحّة ومنتظرة داخل البلاد التي تشهد فيها الجريمة الأسرية والعنف بحق النساء نسباً مرتفعة، ستشرّع الأبواب هذه السنة أمام التجارب الأنثوية مستضيفة العدد الأكبر من العروض لمصممات رقص عالميات وعربيات، تقدم كل منهن تجربتها التي لا تنفصل عن تفكيك أسئلة الجندر، والجسم، وتلك الذاتية في موازاة البحث عن لغة حركية خاصة.
الختام مع الإسباني إسرائيل غالفان الذي يعبث بأسس رقصة الفلامينكو

برنامج الدورة الـ14 يستضيف 19 عرضاً بين أعمال «ملتقى ليمون» (8 ــ راجع الكادر) والعروض العالمية الـ11 الآتية من إسبانيا وأيسلندا والنروج والدنمارك وأميركا وإيطاليا التي يخصص لها المهرجان «المنصّة الإيطالية»، بالتعاون مع «المركز الثقافي الإيطالي في بيروت»، والسفارة الإيطاليّة في لبنان. ضمن المنصّة، تزورنا إحدى أبرز المصممات الإيطاليات كريستيانا مورغانتي في عرضها «جيسيكا وأنا»، الذي تستعيد فيه تجربتها مع الراقصة بينا باوش. تقدّم المنصة تجارب الرقص الإيطالي المعاصر المخضرمة وتلك الأحدث مثل آنا ماريا آجموني في Trigger، وجاكوبو جينا الذي تتقمّص حركته فورية موسيقى الراب في عرض Choreographing Rappers. واحدة من أبرز المصممات الإيطاليات هي سيلفيا غريبودي وعرضها R.osa الذي تواجه فيه التصوّرات النمطية عبر جسد راقصة بدينة. على البرنامج موعد مع أكثر المصممين الإيطاليين انخراطاً في السياسة هو روبيرتو كاستيللو الذي يقدّم مع فرقته ALDES عرض «نتجوّل في ليل يحترق في النار». الأهم هو تجارب الرقص العربية الشابّة التي يعرضها ويدعمها المهرجان ضمن «ليمون» الذي بات يتوسّع شيئاً فشيئاً. إضافة إلى عروض الأستديو، هناك 8 عروض مكتملة تضيء على التجارب العربية الشابة التي كان بعضها قُدّم كمشاريع غير مكتملة في الدورات السابقة. وضمن الهم العربي، يواصل المهرجان تعاونه في شبكة «مساحات» مع مهرجاني الرقص المعاصر في رام الله وعمّان. الافتتاح مساء الليلة مع مصممة الرقص الإسبانية سول بيكو في «نحن النساء» الذي يبدو كمانيفستو لهذه الدورة بأكملها. سنكون أمام صور متعددة للمرأة ودورها ضمن حركات آتية من جذور ثقافية مختلفة، تلتف على أسئلة كثيرة أبرزها: لماذا تم إهمال مشاركات المرأة الفنية تاريخياً؟ يجمع البرنامج المتنوّع تجارب مختلفة تمزج الرقص بالفيديو والموسيقى الحية، فيقدّم الراقصة الآيسلندية إيرنا أومارسدوتير التي تختبر علاقة الإنسان مع الآلة، فيما يختتم المهرجان مساء 27 نيسان، مع أبرز المصممين الإسبان إسرائيل غالفان الذي يشرّح رقصة الفلامينكو الكلاسيكية في عرضه Fla.co.men. لا ينفصل الجسد عن المساحات المحيطة بنا، ولا عن النقاشات والأسئلة اليومية. وهذا ما لا يغيب عن المهرجان الذي يقيم أنشطة هامشية، من بينها حلقة نقاشية بعنوان «نحن النساء، القصة الداخلية»، ومعرض فوتوغرافي للمصوّرة اللبنانية ميريام بولس التي سترافق عدستها الراقصين والتقنيين والوجوه طوال الحدث قبل أن تعرض الصور في الختام على شاشة. وبالعودة إلى المرأة، لدينا في لبنان تجربة فريدة وطليعية في رقص الباليه هي جورجيت جبارة التي يكرّمها المهرجان ضمن «إنجازات مدى الحياة» (راجع الكادر). وفيما قدّم «بايبود» في «سيتيرن بيروت» العام الماضي، ستنقل العروض هذه السنة إلى D Beirut، على أن يفتتح «السيتيرن» في شكل ثابت في أيلول (سبتمبر) المقبل كمنصّة ثابتة للرقص في بيروت، ترافق تطلّعات المهرجان وتحتضن العروض طوال العام.

* «بايبود ــ 14»: ابتداءً من الليلة حتى 27 نيسان (أبريل) ــ D Beirut (الكرنتينا ــ شمال بيروت)، و«متحف سرسق» (الأشرفية). للاستعلام: 01/218040