إنه الدرك الأسفل من العروض على خشبات بيروت. محزن، بل مؤلم، أن نرى «تفاهة» مماثلة، يُحشَد لها نجوم من الدراما اللبنانية، ويُدعى إليها الجمهور، ويُقدم لها فضاءٌ مسرحي، في أوقات شحّ المازوت، والإنتاج والتمويل الفني. لم يكن متوقعاً ما شاهدناه في مسرحية «آخر سيجارة» (كتابة: وليد عرقجي ـــ إخراج: لينا أبيض ـــ تمثيل: وسام صليبا، دوري السمراني، ووليد عرقجي) على خشبة «مونو»: ذكورية فاضحة، ألفاظ نابية مجانية، أداء تمثيلي كارثي، ونص سخيف وممل. لناحية الطرح، قد تحمل «آخر سيجارة»، موضوعات كهشاشة العلاقات الزوجية، واهتراء حميمية العلاقات، وحاجات النفس البشرية. لكن هل يُعقل أن تقدّم بهذا الأسلوب المبتذل؟! تعتمد الحبكة على الأسلوب الكلاسيكي (بداية، عقدة، ونهاية)، تبدو جيدة على مستوى البنية الدرامية التصاعدية. تحكي قصة ثلاثة شبان (وسيم، فادي، وكريم)، في نهاية الثلاثين من عمرهم، يقرّرون تقضية «ويك أند» مع بعضهم. يستذكرون أيام الطفولة، وحكاياتهم الغرامية، وقصصهم الجريئة في سنين المراهقة، إلى حين أن تصل رسالة نصية على «واتساب» أحدهم، ويقرؤها آخر عن طريق الخطأ، فتتكشف أسرار كل واحد منهم. ثلاث شخصيات، قد نصادفها في المجتمع، أبرزها الذكوري الذي يخون زوجته ويتبجّح بعلاقاته السرية، يسرد تجاربه الجنسية المتعدّدة، ويجترها أمامنا على المسرح. «امرأة بالنايلون، مش مدقورة». «شو أطيب أكلة عندك؟ الملوخية؟ حدن في ياكل ملوخية كل يوم»، في إشارة إلى المرأة، إضافة إلى ترداد عبارات «حيوان، حمار، جحش». تعطينا لينا أبيض، جرعة مميتة، من الألفاظ الذكورية والنابية، ويتقيؤها دوري السمراني بدوره، بعدما كتبها وليد عرقجي في نصه. كلهم مشاركون في تمجيد الذكورية وألفاظها، واستساغتها، وتقديمها في قالب كوميدي، لجذب المتلقين وإضحاكهم، بدل أن تكون مدعاة نقد ومساءلة، وتجعل الجمهور يرفض مفهومها، بعدما باتت الغالبية في المنطقة العربية، يعي خطورتها.
لا تقف الأمور على مستوى النص، بل تنسحب على مستوى الأداء التمثيلي لنجوم الدراما التلفزيونية اللبنانية. مخارج حروف متلعثمة، خصوصاً وليد عرقجي. مَن أقنعه بالصعود إلى المسرح، في حين يفتقد إلى أدنى أساسيات التمثيل المسرحي؟ لم يكن أداء وسام صليبا ودوري السمراني، بأفضل. صراخ وانفعالات، وتمثيلي خارجي، تحديداً على مستوى إيماءات اليدين، وتعابير الوجه. لم يكلّف صليبا والسمراني، نفسيهما مشقة البحث، في دراسة شخصية الدكتور أو الرجل الذكوري. قدماها بطريقة منمّطة للغاية. في كثير من الأوقات، يطالعنا كل ممثل بالوقوف أمامنا، والدوران حول نفسه، ليلقي خطابه المباشر، مع حركات يدين ورجلين، لا تحمل إلا الثرثرة الحركية. أكثر من ذلك، اختارت لينا أبيض، أن يخلع الممثلون الثلاثة، كنزاتهم على المسرح، من دون أن يحمل ذلك، أي خيار دراماتورجي، ولم يكن خلع الثياب للعب كرة السلّة، مبرراً، بل جاء بهدف تسليع الذات، واستعراض الأجساد.
ذكورية فاضحة، ألفاظ نابية مجانية، أداء تمثيلي كارثي، ونص سخيف وممل


سينوغرافياً، أتى الديكور فقط بهدف التزيين، وإضفاء أجواء برجوازية، للمصيف الذي تقضي فيه الشخصيات عطلتها. أدوات على المسرح، وضعت بلا أي هدف، ولم يتم استعمالها أو تفعيلها. أين فن الإخراج المسرحي في هذا العرض؟ هل كان بإضفاء إضاءة باهتة أو غامقة، حسب الصعود الدرامي؟ أم ببث أغنية «لقيت الطبطبة» والرقص عليها؟ لحظات فراغ، صمت مدقع، و«تعباية هواء»، كلها تجعل العمل يفتقد أدنى مقومات الإخراج المسرحي.
في المحصّلة، تأتي «آخر سيجارة» لتزيد شروخ المجتمع اللبناني، لا لتزيد وعينا الفردي تجاه قضايا كبرى. لم تجعلنا المخرجة نتساءل، أو نهدم، السرديات، والنمطيات، في فضائنا العام. الذكورية التي نناضل لوقفها، جسّدها، بكل وقاحة، الممثل دوري السمراني. حرية المرأة التي ندعمها، داست عليها لينا أبيض، بعدما علّبت المرأة. وحق التعبير الفني، الذي نناضل من أجله، عرّته أيضاً، واستغلّته لتسليع جسد الرجل. والكوميديا التي نحتاجها، لم يكلف وسام صليبا خبرته في لوس أنجلوس بتوظيفها، والعمل عليها. أما وليد عرقجي، فليعتزل المسرح!

* «آخر سيجارة»: حتى 2 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ «مسرح مونو» (الأشرفية). للاستعلام: 70/626200