الطريق إلى قلب بيروت مقفرة ومعتمة. ظلمة شبه شاملة تحيط بالمدينة وبضواحيها، لعلّ حسنتها الوحيدة أنها تخفي آثار التعب على وجوه المارّة والسكان. لكن وسط هذه القتامة التي تتمدّد يوماً بعد يوم، هناك صدى لضحكات تصدح ولو خجلاً في أرجاء المدينة المنهكة. على مدار أربع ليال (6، 7، 8 و9 نيسان)، نجحت مسرحية Cocktail Maison (تأليف وليد يازجي وإخراج برونو طبال) في نشر البسمة على وجوه الحاضرين الذين غصّت بهم «صالة مونتاني» في «المعهد الفرنسي في لبنان» (طريق الشام ـ بيروت). الإقبال الكثيف وشوق الجمهور للمسرح، دفعا المنظّمين إلى تمديد عرض المسرحية لخمس ليال إضافية (12، 13، 14، 16 و 17 نيسان) لكن هذه المرة على خشبة «مسرح مونو» في الأشرفية. تجري أحداث المسرحية في ملهى ليلي يديره ساق غريب الأطوار (برونو طبال).

ينتظر كلّ زبون موعده الغرامي المجهول الذي تعرّف عليه عبر تطبيق للمواعدة. وفي رحلة الانتظار ريثما يأتي الموعد، تتفاعل الشخصيات في إطار كوميدي يخفي في طياته غموضاً يثير الريبة، وترقباً دائماً لأحداث غريبة قد تحوّل الأمسية التي يُفترض أن تكون هانئة ورومانسية للرواد الباحثين عن الحب، إلى كابوس مخيف. كوميديا سوداء، يمتزج فيها الضحك، والموسيقى الجميلة التي تنقل الحضور من مقاعد المشاهدين، إلى مكان الحدث وليالي بيروت التي تنبض بالحياة والرقص، ولكنها أيضاً تبقي الجميع في مرحلة ترقّب لما هو قادم، حيث التحليل لا ينقطع لمحاولة استشراف المخفي والمبهم في حوارات الشخصيات. خلطة منعشة كالكوكتيل فريد النكهة يقدمه الساقي لرواده حيث يستشعر الجميع طعمة هيتشكوكية تخيّم على المكان. المسرحية مقدمة باللغة الفرنسية، لكن ملبننة، تعكس بعضاً من الهوية الكوسموبوليتية لبيروت حيث تمتزج الفرنسية ببعض القفشات العربية المنتقاة بعناية لرفع منسوب الضحك. في حديث معنا، يُشير طبال إلى أنّ اختيار اللغة الفرنسية يعود لكون «المسرحية كانت ستعرض خلال شهر الفرنكوفونية عام 2020، لكن جائحة كورونا فرضت تأجيل عرضها إلى أجل غير مسمى، إلى حين أعدتُ والكاتب وليد يازجي إحياء المشروع أواخر عام 2021 وقرّرنا السير به من جديد».
إلى جانب مخرجها برونو طبال، يشارك في التمثيل كل من سينتيا كرم التي تعاون معها في أعمال عدة سابقاً منذ مشاركتهما سوياً في برنامج «ستار أكاديمي»، وجوزيف آصاف الذي «اقترحته سينتيا وكان متوجساً من التمثيل باللغة الفرنسية، ولكنه أبدع الدور» وفقاً لطبال، إضافة إلى ماريا الدويهي التي تعود إلى الخشبة بعد طول انقطاع، وباتريك الشمالي «الممثل الوحيد غير المحترف في المسرحية، والذي كان متردداً، لكنه قدم أداء متميزاً تفاعل معه الجمهور بحماسة».
واللافت تضافر جهود أطراف عدة لإحياء العمل المسرحي في لبنان رغم الصعوبات العديدة القائمة. إذ يكشف طبال عن الدعم المجاني والتبرعات التي تلقاها من أطراف عدة لإنجاح العمل «الذي لم يبخل أعضاؤه بتقديم جهودهم مجاناً للحفاظ على المسرح في لبنان».

* مسرحية Cocktail Maison: اليوم و 13، 14، 16 و 17 نيسان ــ «مسرح مونو» (الأشرفية) ـــ حجز التذاكر في مكتبات «أنطوان»