الحلم والحرية هما قطبا المعادلة المسرحية بالنسبة إلى النجم السوري غسّان مسعود. هكذا، يلخّص طبيعة العلاقة مع الخشبة: «أعيش لأحلم، وحريتي تكمن بأن أصنع مشهداً على مقاس حلمي، ولعلّ أهم أحلامنا هو أن نبني أوطاننا. لذا قد يكون المشهد بالنسبة إليّ بمساحة وطن كامل». لهذا ما زال مصرّاً على الشغل بمهنته القديمة رغم أنها لا تُطعم الخبز! وهو يعمل مع «مديرية المسارح والموسيقى» في سوريا كجهة حكومية تنتج المسرح ويتبرّع بأجره كاملاً. قبل سنتين، أخرج عرضاً بعنوان «كأنو مسرح» (كتابة ابنته لوتس مسعود) فتلقّفته بعض الأقلام محتجةً على اللغة المسرحية في هذا العرض، ومعتبرة بأن الرجل يساير ابنته، ويحاول أن يقدم لها فرصة ولو على حساب القيمة. الكلام لم يعن مسعود نهائياً، إذ يعتبر بأن النجاح كان حليفه، بخاصة أن إشادات واضحة لاحقت العرض طيلة أيّامه، فيما كانت الصالة تزدحم بالحضور من مختلف شرائح الجمهور. وليس ذلك مردّه ـــ بحسب مسعود ــ نجومية ممثليه: «في الوقت نفسه الذي كنّا نعرض العمل، كانت أفلام الممثلين أنفسهم موجودة في الصالات، ولم يكن يحضرها سوى قلة قليلة. وبجردة حساب بسيطة يمكن للمهتم أن يكتشف بأنه لم يسبق لي تقديم عرض مسرحي ولم يكن الجمهور بهذه الكثافة». أما عن النقد المسرحي، فيرى أستاذ «المعهد العالي للفنون المسرحية» بأنه لم يعد يقرأ كتابة مسرحية متخصّصة، لذا قاطع المقالات التي تُكتب حول المسرح منذ زمن طويل!يتفق مسعود مع الرأي القائل بأنه لا يدفع ممثل المسرح نحو الخشبة سوى شغفه، طالما أنه لا يحصد لا شهرة ولا مالاً، ويتعب شهوراً متواصلة ليأتي شخص آخر يقيّم جهده في ربع ساعة!
وفقاً لكلّ ما سبق، يعيد مسعود تجربته مع ابنته في مسرحية جديدة تنطلق عروضها مطلع العام المقبل بعنوان «هوى غربي» (تأليف لوتس مسعود وإخراج غسان مسعود ــــ بطولة: ميسون أبو أسعد، سيف الدين السبيعي، لجين اسماعيل، روبين عيسى، جمال قبّش...). عن هذا العرض، يقول: «كنت أسأل نفسي دوماً منذ بداية الأزمة في سوريا عن مدى صدقية بعض الأصوات التي ارتفعت وموضة التخوين، وحقيقة الانتماء ومفهومه. وعندما قدّمت لي لوتس فكرة تحاكي شريحة حسّاسة يترك سلوكها مساحات استفهامية واسعة، قررت أن أذهب مع هذا المقترح... والشريحة هي كل من غادر سوريا عندما اندلعت الحرب، وعاد بعدما هدأت». لكن ما الجديد في مثل هذا الخيار؟ وكيف يمكن معالجته مسرحياً بصورة وافية؟ يجيب: «العفوية المطلقة التي تمتاز بها لوتس هي الملمح الأبرز والمفتاح المثير الذي يدعوك لتبنّي ما تنجزه، ونصيحتي لها كانت عدم التخلي عن هذه العفوية نهائياً، وهو ما يميز حكايتها. سبق لنا أن قدّمنا مع الراحل فواز الساجر عرضاً للكاتب الأميركي وليم سارويان بعنوان «سكان الكهف» كتبه خلال 24 ساعة، ورفض أن يعدّل فيه حرفاً بقصد المحافظة على طبيعته كمادة خام. وعندما أراد الساجر أن يخرج هذا العرض، قال لنا بأننا أمام فرصة مهمة لنؤلف نصّنا بناءً على هذا النص. في المسرح، هناك كتابة أولى تخصّ المؤلف وكتابة ثانية تخصّ المخرج، وكتابة ثالثة تخصّ الممثل. أما عن مسرحة الحدث وحرفه عن أي مسار سبق التطرق إليه، فهذه مَهمتي وأدركها تماماً».
الحكاية تنطلق من بيت يدلّ برمزيته إلى سوريا


الحكاية في «هوى غربي» تنطلق من بيت يدلّ برمزيته إلى سوريا قاطبة، وأفراده المتنازعين حول تركة غنية. بعضه يريد البيع ليحلّ مشاكله، وبعضهم يعتبر بأن البيت هو أصالة العائلة ويريد التمسّك به. كلّ ذلك من خلال شخصية هالة التي تسافر إلى فرنسا وتعود بعد فترة لكن ليس بداعي الشوق، بل بسبب الحاجة المادية الملحّة. تعود لتبيع وتعثر على حصّتها وتمضي إلى عالمها من جديد، فتكتشف شريحة جديدة هم أمراء الحرب وأثرياؤها. أحدهم كان يعمل لدى عائلتها، وقد أفلت والدها كلابه عليه عندما طلب أختها للزواج، لكنه صار اليوم متنفّذاً وغنياً بصورة مبالغة، وهو ما يدفع الأخت الصغرى للموافقة على الزواج منه كي تنقذ العائلة، وتبقى النهايات رهينة العرض وما سيحدث على الخشبة.