طارق السعدي* في عصرنا هذا، يستخدم معظم الشباب الذين تقدر أعمارهم بـ16 عاماً المنبهات الموجودة في هواتفهم المتحركة للاستيقاظ والذهاب إلى المدرسة، ويقومون بقراءة رسائل فايسبوك باستخدام هواتفهم الذكية أثناء تناول وجبة الفطور، وينتظرون مكالمة من سائق الحافلة المدرسية قبل مغادرة المنزل. وقد انتهت منذ فترة طويلة تلك الأيام التي ينتظر فيها الطلبة على أحرّ من الجمر موعد الرجوع إلى المنزل لإخبار والديهم بأنهم حصلوا على درجة ممتازة «أ» في علم الأحياء، إذ بات إرسال رسالة نصية قصيرة يفي بالغرض المطلوب الآن.

وما هذا سوى مثال بسيط عمّا يحدث خلال الساعات الأولى من النهار. فقد أصبح المواطنون الرقميون اليوم يستفيدون من التقنيات المتنقلة والخدمات الرقمية في كافة جوانب حياتهم اليومية ومختلف أنشطتهم على مدار اليوم، بدءاً من الاستماع إلى الموسيقى على مشغلات الموسيقى الرقمية وإجراء البحوث عن طريق الوصول إلى مكتبة المدرسة أثناء التنقل، وصولاً إلى وضع خطط نهاية الأسبوع مع الأصدقاء من خلال البريد الإلكتروني.
وتجدر الإشارة إلى أن المواطنين الرقميين هم الأشخاص الذين ولدوا في عالم يضجّ بالتكنولوجيا الرقمية، وبفضل هواتفهم الذكية ومشغلات الوسائط الرقمية وأجهزة الكومبيوتر اللوحية، فقد اعتادوا الدردشة الفورية مع عشرات الأصدقاء في وقتٍ واحد، فضلاً عن الاطلاع على محتوى لم يسبق لآبائهم أن اطلعوا عليه عندما كانوا في المرحلة العمرية نفسها. ويقوم المواطنون الرقميون بنشر الآراء والصور ومقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت، ويتواصلون في الوقت نفسه مع أقرانهم في كافة أرجاء العالم، فضلاً عن تحميلهم للأغاني والألعاب ومقاطع الفيديو والبرمجيات.
ولا يتعارض ذلك على أي حال مع حقيقة أن من ولدوا بعد عام 1980 قد أمضوا جزءاً لا بأس به من حياتهم كراشدين وهم يتمتعون بتصفح فايسبوك وتويتر والعوالم الافتراضية ويمتلكون اتصالاً شبكياً على مدار الساعة. وقد كشفت دراسة أجرتها إريكسون أخيراً أن أدق تسمية يمكن إطلاقها على هؤلاء الأشخاص هي «المواطنون الرقميون»، فيما يمكن إطلاق تسمية «المهاجرين الرقميين» على الآباء والمعلمين والمديرين الذين ولدوا قبل ذلك، نظراً إلى كونهم قد انتقلوا إلى هذا العالم، أو أن هذا العالم هو من احتضنهم.
ويمكن من تزيد أعمارهم على 30 عاماً أن يتذكروا تماماً ما كانت عليه الحياة قبل ظهور الإنترنت، عندما كانت تقنيات الترابط حينها متمثلة في تجهيزات «هاي ــ فاي» فقط. كذلك يتذكر الجيل الأكبر بيننا تلك الفترة التي كانت فيها الأفلام الملونة، وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، أعظم شيء تم التوصل إليه منذ اكتشاف شرائح الخبز، وكان جهاز الكومبيوتر ضخماً بحيث يحتاج إلى غرفة كاملة لاستيعابه.
ومع تكيّف البعض بالفعل مع عالمنا المترابط اليوم، يدرك المهاجرون الرقميون خصوصيتهم بشكل أكبر، حيث لا يبدون الرغبة في عرض تفاصيل حياتهم على الإنترنت، كذلك فإنهم ما زالوا يولون اهتماماً بالمحادثات والتواصل مع أصدقائهم خارج حدود الإنترنت، ومتابعة الأخبار والمعلومات من خلال المصادر الأكثر تقليدية كالصحف والتلفزيونات، فضلاً عن وسائل الإعلام العاملة على الإنترنت. وغالباً ما يلجأ المهاجرون الرقميون إلى تصفح الإنترنت بدافع الفضول أو للضرورة.
وتوقعت شركة إريكسون أن يتصل بشبكة الإنترنت كل من يستفيد منها، متنبّئةً بوصول عدد اشتراكات الاتصالات إلى 50 مليار اشتراك بحلول عام 2020. وقد يكون الرقم مذهلاً بالفعل. لكن مع بدء المواطنين الرقميين بدفع عجلة هذه الصناعة، فإن انفتاحهم على تطبيق التقنيات سيكون أكثر من طبيعي مقارنةً مع ما كانت عليه الحال مع الأجيال السابقة.
وعلى الرغم من انتماء المواطنين الرقميين إلى هذا العالم المترابط بصورة متزايدة، لم تعد القدرة على التواصل والترابط حكراً عليهم. ومع ازدياد النشاط الرقمي للأجيال الأكبر سناً، بدأت الخطوط الفاصلة بين المواطنين والمهاجرين الرقميين تتلاشى، وسوف يستمر هذا التوجه إلى أن نشهد تطوراً إلى مجتمع رقمي موحد ومترابط.
أيضاً، سيواصل المهاجرون الرقميون، بفضل التطور التقني، جهودهم لجسر الفجوة الرقمية مع المواطنين الرقميين. لكن ذلك يتطلب مواصلة تفاعل وسائل الإعلام والجهات التسويقية مع هاتين الفئتين، وذلك من خلال تطوير محتوى يلبّي احتياجات الجانبين.
* رئيس إريكسون في وحدة شمال الشرق الأوسط