بعد الحملة الواسعة لتخفيض تقييم موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، والتي دفعت الأخير إلى تقديم اعتذار للحكومة الفلسطينية والتذرّع بخطأ فني، علمت «الأخبار» أن مؤسسات حقوقية فلسطينية تستعدّ لتقديم دعاوى قضائية ضد الشركة في عدد من الدول الأوروبية. الدعاوى تستند إلى الانتهاكات الواسعة التي تسبّب بها الموقع ضد المحتوى الفلسطيني أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة.
غرفة رقمية موحّدة
في الأسبوع الحالي، باشر مركز «صدى ميديا» الفلسطيني، المهتم بقضايا مواقع التواصل الاجتماعي، حراكاً قانونياً ضد «فايسبوك» في لندن، بالتعاون مع شبكات إخبارية وحسابات فلسطينية ومكتب محاماة دولي، ووجّه رسالة إلى مقرّر الأمم المتحدة المعني بحرّية التعبير حول هذه الانتهاكات.

بالموازاة، شكّل الفلسطينيون للمرّة الأولى «الغرفة الموحدة للأنشطة الرقمية الفلسطينية»، وهدفها حماية المحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل وتعزيزه وتوحيد الجهود الرقمية، الأمر الذي ساهم في الأيام الماضية في استعادة حسابات فلسطينية تم إغلاقها، على «فايسبوك» و«انستغرام» و«تويتر».

نحو المحاكم الأوروبية والأميركية... بدعم «ديموقراطي»
ووفق ما علمت «الأخبار»، من مصادر حقوقية فلسطينية، فإن سبعة مراكز حقوقية فلسطينية وعربية ودولية تجهّز مسودات قانونية للتقدّم إلى عدد من المحاكم الأوروبية والأميركية ضد موقع «فايسبوك» وشركات تواصل اجتماعي أخرى لانتهاكها حقوق الفلسطينيين في الفترة الماضية. يؤكّد هؤلاء أنهم حصلوا على دعم من عدد من النواب الديموقراطيين في الولايات المتحدة لتحريك هذه الدعاوى في الفترة القريبة وتطمينات بتوفير دعم يهدف إلى إعطاء مزيد من الحرّيات للفلسطينيين على مواقع التواصل المملوكة لشركات أميركية مثل «فايسبوك» و«تويتر».

تقييم «فايسبوك» ينخفض... فيعتذر!
تأتي الخطوات القانونية بعد أسبوع من تقديم إدارة موقع «فايسبوك» الاعتذار للحكومة الفلسطينية عن خلل في خوارزميات الموقع أدى إلى حذف جزء من المحتوى الرقمي، وخاصة كلمات مثل: «شهيد»، «المقاومة»، «الأقصى»،... واعدة بتعديلها على نحو عاجل.

وبعد حملة عربية ودولية تضامنية مع القضية الفلسطينية وانحياز «فايسبوك» إلى الاحتلال، انخفض تقييم تطبيق «فايسبوك» على متجر تطبيقات «غوغل بلاي» إلى 2.5 بعدما كان نحو 4.7 قبل بدء الأحداث الأخيرة في القدس وغزة. وتراجع تقييم التطبيق أكثر على متجر «آب ستور» إلى 1.7 من 5، وذلك نتيجة حملة شنّها مستخدمون عرب بسبب ما اعتبروه تحيّزاً من التطبيق ضد المحتوى الفلسطيني.

وفي ظل الخطوات الفلسطينية من اعتراض والبدء في إجراءات قانونية ضد شركة «فايسبوك»، قالت الأخيرة إنها أنشأت قبل 10 أيام «مركزاً خاصاً» على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع للرد على التساؤلات الخاصة بالمحتوى المنشور على منصتها حول «الصراع الإسرائيلي الفلسطيني».

رقم قياسي للانتهاكات في أيّار
على رغم من الضغوط الفلسطينية على «فايسبوك» ومواقع التواصل الأخرى وتأثير حركة التضامن على شركات المواقع، فإن مركز «صدى ميديا» كشف أن شهر أيار الماضي شهد أعلى عدد انتهاكات شهري ارتكبتها منصّات التواصل الاجتماعي بحق المحتوى الفلسطينيّ، وفقاً لمركز «صدى سوشال» الذي وثّق 770 انتهاكاً.

الانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي ارتفعت منذ بداية الأحداث في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى بمدينة القدس ومن ثم العدوان على قطاع غزة، في ضوء ارتفاع غير مسبوق لطلبات الاحتلال من منصات التواصل التضييق على المحتوى الفلسطيني.

تنوعت الانتهاكات بين الحظر الكامل وتعليق بعض الميّزات، أو إغلاق تام للحسابات أو الصفحات، أو تقييد وصول المنشورات إلى جمهورها. وتصدّر موقع «فايسبوك» الانتهاكات التي رصدت أرقامها على الشكل الآتي:

«انستغرام»: 100 انتهاك
في ذروة التضامن الدولي مع قضية طرد أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم، ظهر جليّاً قيام تطبيق «انستغرام» بتقييد حساب عدد من ضحايا الاحتلال، بينهم ابنة الحي الناشطة الإعلامية منى الكرد. كما حجب وقيّد وصول وسم «الأقصى»، الذي كان من الأكثر تداولاً، بالإضافة إلى حذف منشورات وقصص وتقييد حسابات ومنع البث المباشر لعدد من الصحافيين والنشطاء الفلسطينيين، بالتزامن مع كثافة النشر لمتابعة الأحداث الميدانية واعتداء الاحتلال الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى وغزة.

«يوتيوب»: 10 انتهاكات
قيّد «يوتيوب» الوصول إلى البث المباشر لعدد من الفضائيات العربية في ذروة العدوان الإسرائيلي على غزة، وحذف مقاطع ومواد إعلامية نشرت عبر قنوات فلسطينية مختلفة. وقد وثّق مستخدمون أتراك وعرب قيام النسخة التلقائية من ترجمة اللغات على الموقع بترجمة كلمة (فلسطينيين) إلى (إرهابيين) لفيديو من منصة إعلامية تركية.

«تويتر»: 250 انتهاكاً
حذف «تويتر» مئات الحسابات الفلسطينية والعربية بعد نشرها مواد ورسائل تضامنية مع الشعب الفلسطيني، كان أبرزها ملاحقة الأوسمة التي تنشر عن حي الشيخ جراح بمدينة القدس، وأخرى عن جرائم الاحتلال والرواية الفلسطينية في غزة.

«تيك توك»: 50 انتهاكاً
حذف «تيك توك» حسابات صحافيين ومؤسسات إعلامية فلسطينية وعربية، في مقدّمتها حسابات شبكة «قدس» ووكالة «صفا»، وذلك بعد ساعات فقط على اجتماع الوزير الإسرائيلي بيني غانتس مع إدارة الموقع.

تواطؤ «فايسبوك»... من دبي إلى «وحدة الإنترنت»
يقع المحتوى الفلسطيني بين سندان المديرين الإسرائيليين ومطرقة الإماراتيين. إذ تحمل مديرة سياسات عامة لـ«فايسبوك» الجنسية الإسرائيلية، وتقوم بنقل اعتراضات إسرائيل على المحتوى الفلسطيني بشكل أسبوعي. بينما، في المقابل، ليس هناك من يدافع عن المحتوى الفلسطيني وحقوق الفلسطينيين، إذ يناط الأمر برئيس السياسة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يتخذ من دبي مقراً له.

وبحسب مجلة «تايم» الأميركية، يتعاون «فايسبوك» بالفعل بشكل وثيق مع «وحدة الإنترنت» التابعة للحكومة الإسرائيلية، والتي تأسست في عام 2015 للإبلاغ بشكل منهجي عن المحتوى على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبرها أجهزة الأمن الإسرائيلية مرفوضة، ما يتعارض مع قواعد الشركات.

في عام 2020، وافق «فايسبوك» على 81 في المئة من طلبات الإزالة الخاصة بالوحدة. ومن خلال تطبيق الهاتف الذكي الذي تروّج له الحكومة الإسرائيلية، يشارك متطوّعون مؤيدون لإسرائيل بانتظام في حملات تغطية جماعية ضد المحتوى الفلسطيني الذي يُعتقد أنه يؤيّد العنف. في معظم الحالات، هناك إشعارات للإبلاغ عن محتوى لا يفهمون ما بداخله، لأنهم لا يتحدّثون العربية، لكنهم يبلّغون عنه تلقائياً، فتحصل الأنظمة الأساسية على آلاف التقارير، وغالباً ما تزيلها بسبب حجم التقارير. لذا، فالأمر يتعلّق بكيفية التلاعب بالنظام.

في هذا الإطار، طالب الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي روني ريمون، قبل أيام، الحكومة الإسرائيلية بتخصيص موازنة مالية تقدّر بمليار دولار سنوياً من أجل محاربة الرواية الفلسطينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.