لا يخفي معظمنا انزعاجه عندما يقف شخص أمامنا ويلتقط لنا صورة في الشارع من دون إذن، ومع ذلك نجد قبولاً مجتمعياً لكاميرات المراقبة كتحصيل حاصل، حتى ولو كانت من أجل حماية الممتلكات الخاصة. بينما النتيجة نفسها: الصورة أصبحت في مكان خارج نطاق التحكّم. بل إمكانيات من يمتلك آلاف التسجيلات والصور هي منطقياً أكبر من قدرة شخص التقط صورة عابرة على الطريق.
وفي الواقع، مع تطوّر تقنيات التعرّف على الوجوه من خلال الفيديو، أصبحت هذه الكاميرات، المنتشرة على كل مبنى تقريباً في المدن الكبرى، منجماً للتنقيب عن الأشخاص ومعرفة من يوجد في مكان ما أوتوماتيكياً. إذ لم تعد الكاميرات مجرّد وسيلة لتسجيل الأحداث التي ترجع إليها الشرطة في حال جريمة ما أو ليتجسّس متطفّل عبرها على حياة الآخرين، بل بوجود الكومبيوتر الذي يعرف الأشخاص من صورهم من دون تدخّل البشر، باتت سبيلاً للتعرّف على أماكن وجود ملايين الناس تلقائياً. وفي أقل من ثانية، يمكن لأنظمة شركة «هيتاشي» اليابانية مثلاً أن تبحث عن وجه من بين 36 مليون شخص. وما يسهّل الأمر على المهتمّين بهذا هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي يضع فيها الناس صورهم مع أسمائهم، حتى أن شركة فايسبوك توصّلت أخيراً إلى تقنية سمّتها DeepFace ، والتي تمكّن من التأكّد فيما إذا كانت صورتان تعودان لنفس الشخص بدقة 97.25% (وهو ما يحقّقه البشر بدقة 97.53%).

التخفي كموضة

في بعض الدول، تُستخدم الأقنعة من قبل الشرطة والناس على حدّ سواء بهدف التخفّي، لكن هذه الوسيلة يعتبرها البعض فجّة ومثيرة للشبهة وهي غير قانونية في الكثير من البلدان. ولذلك كان الاتجاه نحو أساليب تندمج مع الحياة اليومية. أوّل هذه المشاريع كان CV Dazzle، الذي يعمل فيه المصمّم Adam Harvey على إيجاد تسريحات شعر جديدة وطرق لوضع مساحيق التجميل على الوجه لخداع تقنيات التعرّف إلى الوجوه. الفكرة والاسم مستمدّان من وسيلة طلاء السفن (Dazzle) التي استخدمتها البحرية البريطانية في الحرب العالمية الأولى لتمويه حجم السفينة واتجاهها وسرعتها. ووراء تسريحات الشعر هذه بحث علمي عن كيفية خداع برامج مثل OpenCV أو VeriLook التي تعمل على تحديد الوجوه، وذلك عبر تمويه مناطق مهمة تعتمد عليها كالمنطقة فوق الأنف وبين العينين.
وسيلة أخرى مثيرة للاهتمام ابتكرها الباحث Simone C. Niquille، وهي عبارة عن قمصان تملؤها الوجوه، وذلك لخداع فايسبوك وغوغل خلال بحثهم عن وجه الشخص في الصورة لوسمها باسمه. ولتعقيد الأمر أكثر، لا تقتصر هذه القمصان على صور المشاهير، بل نشأ سوق كامل على الإنترنت (Facebay)، يضع فيه الناس صورهم كي تطبع على تلك الملابس. المبدأ الذي يحرّك هؤلاء أن كثرة انتشار وجوهم على الشبكة وفي الطرقات وعلى ملابس الناس سيمحي العلاقة بين الوجه وهويّتهم الحقيقية، وهو نوع فريد من الخصوصية، يتجلّى فيه التناقض.

التخفي كثقافة في المجتمع

ببساطة لم تعد التقنيات التي تساعد على التخفي من المراقبة في المجتمع ضرباً من الخيال العلمي. على الإنترنت اليوم، يمكن شراء آلة توضع على الكتف لتنبّه الشخص عند وجود كاميرا تراقبه (Surveillance Spaulder). والبعض يضع عدسات خاصة، تواجه التقنيات التي تتعرّف على بصمة العين، وآخرون يضعون الهاتف في علبة تعزله عن التواصل كي لا يتمّ تعقّبه (Off Pocket). وممّا شجّع ذلك، قبول المجتمع بالمراقبة كجزء من الواقع، خصوصاً أنه بدأ من قبل الدولة أساساً، ومن ثم انتشر في الحيّز الخاص. ولذلك سنكون أمام تحدّ أكبر مع وصول الطائرات من دون طيار إلى أيدي الناس العاديّين، الذين لا يملكون سلطة تفرض على الآخرين تقبل الأمر بشكل طبيعي. والسؤال المقابل هنا هو عن إمكان قبول التخفّي كثقافة في المجتمع مثلما قبل هذا الأخير إلى حد كبير بالتعقّب. ثمّ إن تساؤلات أخرى تطرح عن الفرق بين الدولة والقطاع الخاص من تلك الناحية، وعمّن يراقب المشرفين على أنظمة المراقبة في كلتا الحالتين؟ وهل نحن أمام اتجاه لتذويب ذلك الفاصل بين الاثنين، فيصبح الفرد بكاميراته وطائراته في المستقبل مصدراً أساسياً لمعلومات الأجهزة الأمنية؟ وعلى ذلك، فإن موجة التخفي قد تصبح ضرورة في مجتمع المراقبة، الذي قد نصل لتشبيهه يوماً ما بأنه كعيون في ذيل الطاووس!







بعد أن أصبحت أنظمة المراقبة متوافّرة على نطاق واسع، يبدو أنها لن تستقرّ بشكلها الحالي، وخصوصاً أن الكاميرا المثبتة على حائط غير قادرة على الإحاطة بكلّ شيء. فمع وصول الطائرات من دون طيار إلى المستهلك، ستصبح هي بديلاً أساسياً للكاميرا الثابتة. على أن ذلك أيضاً تجري مواجهته حالياً بطرق مشابهة، عبر ملابس مضادة للتعقب من الطائرات.







لم تقتصر هذه الموضة على الواقع، بل انتقلت إلى الشبكة الافتراضية، فأصبحت هناك تطبيقات مثل Face Dazzler، تغيّر الوجه الذي تلتقطه كاميرا الهاتف بمبدأ CV Dazzle ذاته، قبل وضع الصورة على شبكات التواصل الاجتماعي. وهي تضاف إلى العديد من التطبيقات التي تقوم بالتمويه أو حتى بتقمّص شخصيات أخرى على كاميرا الفيديو، كما في حالة FaceStealer.