تدور في الصين أشد معركة تكنولوجية في العالم من أجل تحقيق التفوّق في هذا المجال. وهي المعركة التي يبدو أنها ستحدّد مستقبل القطاع التكنولوجي في كل مكان آخر أيضاً. هذا ما تنبّأت به صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقريرها الصادر نهاية شهر أيار/مايو الماضي، والذي تحدّث عن تعاظم نفوذ عملاقي التكنولوجيا في الصين، مجموعة «علي بابا» القابضة (Alibaba) و«تينسنت هولدنغز» (Tencent)، المصنّفتان ضمن أكثر 10 شركات قيمة في الأسواق العالمية. وفق التقرير، يبدو أن مستقبل مدفوعات المستهلكين لن يكون مصمّماً في الولايات المتحدة بل في الصين، حيث يتدفّق المال بشكل رئيسي من خلال نظامين رقميين يمزجان بين وسائل التواصل الاجتماعية والتجارة والبنوك، في إطار تقديم الخدمات في مجال التجارة الإلكترونية.
قد تتخطى أرباح «علي بابا» أرباح «أمازون» المحتملة بحلول عام 2027 (غيتي)

ولأن الصينيين باتوا يتسوقون ويتبادلون المال عبر استخدامهم تطبيقي «علي باي» (Alipay) و«وي تشات» (الأخير طوّرته شركة تينسنت)، أي من دون حملهم النقود، فإن الصراع في مجال التجارة الإلكترونية بين الصين والولايات المتحدة يتّجه إلى الاحتدام، وسط توقعات مصرف «مورغان ستانلي» الأميركي بأن تتخطى أرباح شركة «علي بابا» في سوق التجارة الإلكترونية الصينية أرباح «أمازون» المُحتملة في جميع أنحاء العالم، بحلول عام 2027.
بخلاف مواقع البيع الأخرى، لا تفرض «علي بابا» و«تينسنت» رسوماً على البائع أو على المشتري، إذ تموّل نفسها حصرياً عن طريق العائدات التي تجنيها من الإعلانات، الأمر الذي قد يمكّنها من إغلاق باب المغارة على باقي شركات التجارة الإلكترونية والاستحواذ على هذا السوق لنفسها. وهو الأمر الذي سيكون بمثابة كابوس حقيقي بالنسبة إلى الصناعة المالية في الولايات المتحدة، خصوصاً إذا تم استنساخ تجربة «علي باي» و«وي تشات» (WeChat) الناجحة في أميركا من قبل شركات تكنولوجية. إلا أن ذلك سيشكل ضربة للبنوك، ذلك أن المستهلكين الأميركيين يعتمدون على المصارف في معظم مدفوعاتهم غير النقدية. ومن جانب آخر، وهو شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى التي ستتراجع أمام تقدم رديفاتها الصينية في مجال الريادة الرقمية بحلول 2025.

...«كسر» الهيمنة الأميركية على العلوم
تنفق الولايات المتحدة سنوياً نصف تريليون دولار على البحث العلمي، أكثر من أي دولة أخرى على الأرض. ولكن الصين احتلت أخيراً المركز الثاني، لتسبق بذلك الاتحاد الأوروبي الذي يأتي في المرتبة الثالثة، وبعده اليابان في المرتبة الرابعة، بحسب ما يشير تقرير صحيفة «ذي واشنطن بوست» عن ريادة الصين في مجال العلوم. ووفقاً لمؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، فإن الصين، التي تجاوز عدد مطبوعاتها العلمية السنوية عدد المطبوعات في الولايات المتحدة للمرة الأولى في عام 2016، «في طريقها لتجاوز الولايات المتحدة، بحلول نهاية هذا العام» في هذا المجال. هذه المتغيرات صنّفتها الصحيفة في سياق الخطة التي وضعتها الصين للتصدي لهيمنة الولايات المتحدة في مجالات السياسية والاقتصاد والتكنولوجيا، ولتخطّيها في نوعية وكميّة الإنتاج العلمي.

نجح باحثون صينيون لأول مرة في استنساخ اثنين من قردة «المكاك» (باركروفت)

على سبيل المثال، تمثّلت إحدى أهم إنجازات الصين في نجاحها لأول مرة في عام 2017 في إرسال رسائل «مضادة للاختراق» من قمر صناعي إلى الأرض. وجرت، حينذاك، حماية الرسائل من الاختراق من خلال استخدام الفيزياء الكمية التي تتيح إمكانية اكتشاف أي محاولة للتنصت على الرسائل، في تجربة قال الخبراء حينها إنها يمكن أن تفتح الباب على مصراعيه أمام تقنية «الإنترنت الكمي». وفي مجال علم الفلك أيضاً، دشنت منذ فترة قصيرة أكبرَ مرصد فلكي في العالم لرصد الموجات الراديوية القادمة من الفضاء لدراسة المجرات والثقوب السوداء وماضي الكون.
وفي مطلع العام الحالي، نجح باحثون صينيون لأول مرة في استنساخ اثنين من قردة «المكاك» بالطريقة نفسها التي استُنسخت بها النعجة «دوللي»، لتسجل بذلك إنجازاً علمياً في إطار تطوير الأبحاث المتعلقة بالأمراض الجينية للبشر، من بينها السرطان والاضطرابات المناعية.
في مقلبٍ آخر، فإن ازداد الإنفاق على الأبحاث والعلوم الأساسية أسهم في تحوّل الصين إلى مركز بحثيّ متطور استطاع، خلال العقد الأخير، أن يستقطب ويحتضن ويستثمر طاقات مواطنيه، الذين كانوا يتوجهون إلى أوروبا وأميركا ليبقوا على تماس مع أهمّ وآخر الاكتشافات والأبحاث العلميّة.