لا يعمل إيلون ماسك في مجال واحد، وهذه ميزته. ينتقل الرجل بسلاسة بين السيارات الكهربائية، الخدمات المالية، استعمار المريخ بصواريخ تُستعمل عدة مرات، محاربة الاحتباس الحراري، حلّ أزمة ازدحام السير، دمج دماغ الإنسان بالذكاء الاصطناعي وأخيراً حفر أنفاق لحل أزمة السير. يعدّ ماسك اليوم من أشهر الأشخاص في عالم التكنولوجيا وأثراهم، إذ احتل المرتبة 15 على لائحة "فوربس" لأثرى أرباب التكنولوجيا عام 2016 وبلغت ثروته هذه السنة 13.9 مليار دولار.
ولد إيلون ماسك في 28 حزيران 1971، هو ابن ماي هالدمان عارضة الأزياء الكندية وإيرول ماسك البحّار والطيار ومهندس الكهرباء الميكانيكية من جنوب أفريقيا. طلاق الثنائي عام 1980 جعل إيلون يمضي أغلب وقته مع أبيه في ضواحي مدينة بريتوريا الجنوب أفريقية. كان إيلون كثير القراءة، أكثر من 10 ساعات يومياً، وفي عمر العاشرة بدأ يهتم ببرمجة الحاسوب وتعلمها بنفسه، بعدها بسنتين صنع لعبة فيديو أسماها Blastar ورغم كونها بدائية إلا أنه باع البرمجة الخاصة بها إلى مجلة تُعنى بالتكنولوجيا والحواسيب بـ 500 دولار تقريباً.
ذكاء إيلون الحاد وعدم قدرته على التواصل مع من هم بعمره جعلاه غريباً بين زملائه وحوّلا حياته في فترة الدراسة إلى جحيم. عانى الكثير من المضايقات من جانب رفاقه في المدرسة حتى وصل الأمر بهم في إحدى المرات إلى أن يرموه من على السلالم ويوسعوه ضرباً حتى فقد الوعي.
عام 1992 نال شهادة البكالوريوس في الفيزياء والبكالوريوس في الاقتصاد من جامعة وارتون للأعمال. بعدها انتقل إلى كاليفورنيا عام 1995 ليبدأ رسالة الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية في جامعة ستانفورد، لكن في تلك الحقبة كان العالم في سباق كبير في مجال الإنترنت واستكشاف الفضاء فما كان منه إلّا أن توقف عن الذهاب بعد يومين من بدء الفصل الدراسي وذلك ليحقق طموحاته ومشاريعه. أعمال الرجل تبدو جنونية لكنها تدفع للتساؤل: لماذا لم يفكر أحد بهذا من قبل؟

النجاح الأول

أول أعمال إيلون ماسك كان شركة zip2 التي تُعنى ببرمجيات الويب، وقد أسسها مع أخيه عام 1995 بتكلفة ألفي دولار كان قد أخذها من أبيه لتستحوذ عليها لاحقاً شركة كومباك بمبلغ 307 ملايين دولار، حصل إيلون منها على 22 مليون دولار. كانت هذه الخطوة الأولى للرجل الذي سيصبح لاحقاً من أثرى أرباب التكنولوجيا. انتقل ماسك بعدها إلى تأسيس شركة X.com للخدمات المالية عبر الإنترنت التي سرعان ما اندمجت مع شركة PayPal، واستحوذت عليها eBay بمبلغ 1.5 مليار دولار حصل منها إيلون على 165 مليون دولار.

حلم الفضاء يتحقق

عام 2002 انتقل إيلون إلى الفضاء، تحديداً إلى المريخ، معلناً أنه سيبتكر طريقة تخفّف تكلفة الصعود إلى الفضاء لتكون متاحة أمام الكثيرين، فكانت SpaceX. برأسمال 100 مليون دولار من الثروة التي جمعها سابقاً، هدفت الشركة إلى ابتكار تكنولوجيا جديدة تخفض تكلفة الصعود الى الفضاء وتسمح للبشر باستعمار كوكب المريخ. قبل SpaceX كانت الصواريخ التي تطلق الى الفضاء تعود مدمرة بالكامل وتكلّف بين 100 مليون و200 مليون دولار. مع ماسك باتت التكلفة 56 مليون دولار والصاروخ الذي يُطلق يُعاد استعماله نفسه، وإذا ما امتلكت الصاروخ يكفيك دفع 200 ألف دولار للوقود مقابل كلّ عملية إطلاق.
بعد عدة محاولات فاشلة انفجرت فيها الصواريخ نجحت الشركة في إطلاق الصاروخ "فالكون 9" وإعادته الى الأرض، الأمر الذي دفع وكالة الفضاء الأميركية ناسا إلى توقيع عقد قيمته 1.5 مليار دولار ما جعل أسهم الشركة ترتفع وتثبت اسمها في مجال الفضاء.

سيارات كهربائية وطاقة شمسية

بعد المريخ عاد ماسك إلى الأرض مستثمراً في شركة Tesla التي أسسها كل من مارتن إبرهارد ومارك تاربنينغ عام 2003، ليصبح رئيسها التنفيذي بالتزامن مع بدء إنتاج السيارات الرياضية الكهربائية الأمر الذي كان جديداً على الأسواق. فقد كانت السيارات الكهربائية باهظة ولا تصل إلى سرعات عالية فكانت المفاجأة بسيارة رياضية من Tesla اسمها "رودستر". بعدها بدأت الشركة إنتاج الموديل 3 بسعر 35 ألف دولار وهو ما كان يطمح إليه إيلون منذ البداية: جعل هذه التكنولوجيا بمتناول الجميع.
بعد السيارات الكهربائية ارتأى ماسك ضرورة محاربة الاحتباس الحراري العالمي فأسس شركة SolarCity مع قريبيه ليندون وبيتر رايف عام 2006 لتصبح ثاني أكبر مزوّد لأنظمة الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة الأميركية. عام 2012 أعلن إيلون التعاون بين شركتيه SolarCity و Tesla لصنع بطاريات جديدة ذات كفاءة عالية، إذ يعتبر إيلون أن تكنولوجيا البطاريات الموجودة حالياً متأخرة جداً ولا تناسب حاجاتنا اليومية. بالإضافة إلى ذلك بدأت الشركة مشروع صنع ألواح شمسية تشبه ألواح القرميد التي توضع على سطح المنزل والتي ستكون بديلاً منها في نهاية المطاف لتوفر بالتالي سقفاً وكهرباء بتكلفة أرخص من ألواح القرميد العادية.

شريحة في الدماغ وأنفاق لحل أزمة السير

الذكاء الاصطناعي بدوره لفت انتباه الرجل وبالطبع قرر أن يغامر فيه، فأسس عام 2015 شركة OpenAI بهدف محاربة المنظمات والدول التي من الممكن أن تصبح ذات سلطة فائقة على الشعوب بفضل امتلاكها أنظمة دفاعية فائقة الذكاء، لذلك جعل ماسك برمجيات الشركة مفتوحة أمام كل الناس وها هو يبني نظام ذكاء اصطناعي متاح ومفيد للبشرية جمعاء، حسب قوله.
تابع ماسك اهتمامه في هذا المجال فأعلن تأسيس Neuralink التي تهدف إلى دمج دماغ الإنسان بالذكاء الاصطناعي. لا تزال هذه الشركة في بدايتها لكن مع ماسك لا شيء مستبعداً، وإذا ما قال إنه سيضع شريحة في الدماغ تجعل الإنسان يتفوق على الذكاء الاصطناعي في المستقبل... فهو سيفعل.
خوف ماسك من عرقلة مشاريعه "الجنونية" جعله يتخد نهجاً براغماتياً في توجهاته السياسية في الولايات المتحدة الأميركية التي أصبح مواطناً فيها عام 2002 إذ يعتبر نفسه نصف جمهوري ونصف ديمقراطي. في الواقع، قد يحتاج الرجل إلى علاقة جيدة مع حكام الولايات، خصوصاً إذا ما أراد حفر أنفاق تغيّر أنظمة النقل.
عندما يملّ ماسك أو يغضب يؤسس شركة بفكرة جنونية. عام 2016 كان إيلون عالقاً داخل سيارته في زحمة السير فغرد على تويتر "سأصنع ماكينة حفر الأنفاق بورينغ وسأبدأ بالحفر". بدأت شركة The Boring Company الحفر في الربع الأول من العام الحالي لصنع نفق في ولاية لوس أنجلوس الأميركية لاختبار هذه التكنولوجيا الجديدة في أنظمة النقل والتي إذا ما وضعت قيد الاستعمال ستوفر الكثير من الوقت وتخفض نسبة ازدحام الطرقات.




ماسك Vs زوكربرغ

وصف إيلون ماسك صاحب شركة فايسبوك مارك زوكربرغ بأن فهمه للذكاء الاصطناعي محدود في تغريدة على تويتر. لم يعد خافياً على أحد الصراع بين الرجلين على مستقبل الذكاء الاصطناعي، إذ في حين يرى إيلون في الذكاء الاصطناعي مخاطر جمة إن لم يتم صنعه ضمن ضوابط صارمة جداً كي لا يأتي يوم تثور فيه الآلة على الإنسان، ينفي مارك ذلك كله ويتكلم بلسان شاعري يصف فيه المستقبل الباهر الذي سننعم به من خلال ذكاء الآلة، ويرد على إيلون بأن مخاوفه مبالغ بها ولا داعي لكل تلك السودواية. يبقى لنا أن نقارن بين من يقوم بتطوير تكنولوجيات لتساعد الإنسان بحق من الصواريخ الفضائية ذات الاستعمال المتكرر إلى الأنفاق التي تسرع تنقلنا وبين من باع حسابتنا على فايسبوك إلى شركات الإعلانات وجنى مليارات الدولارات وهو اليوم يريد عالماً تحكمه الآلة من دون ضوابط أو قيود ناهيك عن طموحاته الرئاسية والتي كانت واضحة خلال تسلمه شهادة دكتوراه فخرية من جامعة هارفرد.