في شهر حزيران الماضي، بلغ عدد مستخدمي «فايسبوك» الناشطين شهرياً ملياري شخص في أنحاء العالم. مليارا شخص يصنعون محتوى فايسبوك من خلال الصور التي يحمّلونها، المنشورات التي يكتبونها، الصفحات التي ينشئونها، التعليقات والإعجابات التي يضعونها، الروابط التي ينشرونها والكثير غيرها.
مليارا شخص يقدمون كمّاً هائلاً من المعلومات الشخصية إلى شركة فايسبوك التي تبيعها بدورها إلى شركات الإعلانات. بمعنى آخر، مليارا صانع محتوى يعملون يومياً من دون أجر. أمر غريب. لكن ما الذي يجعلنا نتصفّح يومياً فايسبوك؟ الإجابة واضحة: المحتوى الذي يتم تقديمه بشكل دائم، وبالتالي لولا المحتوى المتجدد الذي ينتجه المستخدمون يومياً ما كان فايسبوك ليحقق أرباحاً. من هنا يُطرح نقاش عالمي حول فكرة مثيرة: على فايسبوك أن يدفع لنا مقابل المحتوى الذي ننتجه له والذي يبيعه. حتى هذه اللحظة نحن عمال من دون أجر في الاقتصاد الرقمي الجديد... والبيانات هي «نفط» هذا العصر. كثيرون ناقشوا هذه الفكرة المطروحة منذ سنوات، وكان فايسبوك وجهة التصويب دائماً لكونه أكبر شبكة «اجتماعية» تعمل وفق هذا النموذج.
ما هي الفكرة؟ ببساطة إن مستخدمي فايسبوك هم الذين ينتجون المحتوى الذي تقدمه شبكة التواصل الاجتماعي على الصفحات. فمن خلال منشوراتنا وإعجاباتنا ونقاشاتنا والمعلومات الشخصية التي نكشفها على الشبكة تملك فايسبوك أكبر مخزون بيانات شخصية. هذا المخزون تبيعه فايسبوك لشركات الإعلانات التي تستخدمه لاستهداف المستخدمين بإعلانات مدروسة. هذا يعني أن فايسبوك تحقق أرباحاً مما ينتجه المستخدمون من محتوى، ومن دون المحتوى لما كان هناك أهمية للشبكة، أي إن المستخدمين يعملون لدى الشركة من دون مقابل، إلا إذا كان استخدام فايسبوك مجاناً يعتبره البعض أجراً عادلاً لشركة حققت إيرادات تجاوزت عشرة مليارات دولار عام 2016.

تحقق «فايسبوك» أرباحاً ممّا ينتجه المستخدمون
من محتوى


في مقال حديث في صحيفة «Financial Times»، يقول الصحافي جون ثورنيل إنّ «أكثر الأصول قيمة التي تمتلكها فايسبوك هي البيانات التي يسلمها إياها المستخدمون عن غير قصد مجاناً قبل أن يتم بيعها في الواقع للمعلنين». أعاد هذا المقال فتح نقاش مستعر حول هذه الفكرة، ليأتي الرد من تيم وورستوال في مجلة «Forbes» حيث رأى أن «البيانات ليست قيّمة على الإطلاق، بل النظم التي تعالجها هي التي تعطيها قيمة، وهذا يعني اقتصادياً أن المستخدمين لا يخلقون القيمة، فالقيمة يتم إنشاؤها من قبل غوغل وفايسبوك من خلال معالجة البيانات». في بداية ردّه، يسخّف وورستوال الفكرة المطروحة بالقول إنه إذا أراد فايسبوك أو غوغل أن يدفع للمستخدمين، فسيحصل كل مستخدم على 10 أو 20 دولاراً في السنة، مضيفاً «فليرفع يده من يعتبر الحصول على 20 دولاراً في السنة أمر مهم».
20 دولاراً في السنة فعلاً ليست مبلغاً مهماً، بل النظام الاقتصادي الرقمي الجديد الذي يجري بناؤه، والمفهوم الاقتصادي والسياسي للعمل في المستقبل هو المهم. نموذج فايسبوك يوضح لنا ما بدأ ترسيخه في النظام الجديد من استغلال سيزيد من تركيز الثروة في أيدي قلّة من الأثرياء تحت مظلة مفاهيم «الصداقة» و»المشاركة»، موهماً الناس أن ما يقومون به على فايسبوك هو «صداقة» وليس عملاً.




العمل المنزلي والعمل لفايسبوك: الإمعان في الاستغلال

عام 2013 أصدر جارون لانيير كتاب «من يملك المستقبل؟»، الذي يتوقع فيه كيف ستحول التكنولوجيا العالم، ويظهر كيف تستغل شركات التكنولوجيا الكبرى البيانات الكبيرة وتقاسم المعلومات مجاناً، ما قاد الاقتصاد الى الركود وعرّض الخصوصية للخطر وأفرغ الطبقة الوسطى. برأي لانيير إن قوى الإنتاج على وشك أن تأخذ قفزة هائلة أخرى إلى الأمام، في حين أن علاقات الإنتاج تتخبط كثيراً. لكن هناك بديلاً: اقتصاد معلومات يكافئ الناس العاديين لما يفعلونه ويشاركونه على شبكة الإنترنت؛ فإذا كانت البيانات تستحق المال، وتحقيق الشركات للأرباح يقوم على تبادل البيانات، إذاً يجب أن يُدفع للناس مقابل ما يساهمون فيه. يقول لانيير إن «قوى جبارة في صناعة التكنولوجيا قد أقنعتنا بذكاء بأن نعمل مجاناً. اقتصاد المعلومات لديه القدرة على أن يكون مربحاً ومهماً تماماً مثل الاقتصاد الصناعي، ولكن معظم النشاط الاقتصادي يجري «خارج السجلات»، واللاعبين الوحيدين الذين يستخرجون أي قيمة نقدية هم الشركات الكبيرة مثل غوغل وفايسبوك».
في العام التالي، أعلنت الأستاذة الجامعية والفنانة لوريل بتاك إطلاق مشروع «Wages for Facebook» في حركة مماثلة للحملة النسوية التي انطلقت عام 1970 بعنوان «أجور للعمل المنزلي» التي كانت تهدف إلى تكميم العمل المنزلي. تشرح بتاك أن «حملة «أجور للعمل المنزلي» طالبت بأن تدفع الدولة للمرأة مقابل عملها المنزلي غير المأجور والرعاية التي تقدمها، حيث إن اقتصاد السوق قد بني على كميات هائلة من هذا العمل غير المعترف به. بنيت الحملة على الخطاب المناهض للاستعمار لتوسيع نطاق تحليل العمل غير المأجور من المصنع إلى المنزل». وعلى هذا المنوال، تسعى «Wages for Facebook» إلى توسيع نطاق مناقشة العمل غير المأجور إلى أشكال جديدة من خلق القيمة والاستغلال عبر الإنترنت للتفكير في العلاقات مع الرأسمالية، والطبقات والعمل في وسائل الاعلام الاجتماعية اليوم. لذلك، أعلنت الحملة «مانيفستو» تشرح فيه ما الذي قام به النظام الرأسمالي لإقناعنا بالعمل مجاناً: «أقنعنا رأس المال بأن قبول عمل غير مأجور هو أمر طبيعي وعمل مُرضٍ (مقنِع) لا يمكن تجنّبه. بدوره، فإن العمل غير المأجور لفايسبوك كان سلاحاً فعالاً في تعزيز الادعاء المشترك بأن فايسبوك ليس «عملاً»، وبالتالي منعنا من الكفاح ضده. يُنظر الينا كمستخدمين أو أصدقاء محتملين وليس كعمال. يجب أن نعترف بأن رأس المال نجح في إخفاء عملنا من خلال إنكار حقنا في أجر، في حين تستفيد الشركة مباشرة من البيانات التي ننتجها وتحوّلها إلى فعل صداقة. (...) من المهم أن نعترف بأنه عندما نتحدث عن فايسبوك لا نتحدث عن وظيفة تشبه الوظائف الأخرى، ولكن نتحدث عن أوسع أداة تلاعب وأكثر عنف ماكر ورقيق ارتكبته الرأسمالية تجاهنا. في ظل النظام الرأسمالي، فإن كل عامل يجري التلاعب به واستغلاله كذلك فإن علاقته برأس المال يصيبها الإرباك التام».

* للمشاركة في صفحة تكنولوجيا التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]