أكثر من مليون شخص شاركوا بطريقة إلكترونية في حلقة الحوار والتشاور المفتوحة التي عُقدت من أجل وضع إطار عمل لأهداف التنمية المستدامة لما بعد عام 2015، وهي الحلقة التي دعت إلى إدراج حقوق الإنسان على نحو كامل في هذه الأهداف. المدافعون عن حقوق الإنسان يمكنهم الآن التواصل عن طريق المنتديات الرقمية والمشاركة في النقاش العالمي بطرق لم تكن تخطر على بال أحد، لكن تلك المنتديات الرقمية عرضة للمراقبة والاعتراض وجمع البيانات.

ويكشف النقاب في جميع أنحاء العالم، بوتيرة متسارعة، عن عمليات المراقبة التي لها تأثير فعلي على حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوقهم في الخصوصية، وحرية التعبير والرأي، وحرية التجمع، والحياة الأسرية، والصحة. وتقول الأمم المتحدة إن المعلومات التي جُمعت عن طريق المراقبة الرقمية استُخدمت لاستهداف المعارضين، وهناك تقارير موثوقة عن استخدام التكنولوجيات الرقمية لجمع معلومات أدت إلى تعرض البعض للتعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة.
ويبين تقرير بعنوان "حماية وتعزيز الحق في الخصوصية في سياق مراقبة الاتصالات الرقمية" أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يشكل إطاراً قوياً وشاملاً لتعزيز وحماية الحق في الخصوصية، بما في ذلك في سياق المراقبة داخل إقليم الدولة وخارجه؛ واعتراض الاتصالات الرقمية؛ وجمع البيانات الشخصية.
الأفراد لا يدركون في كثير
من الأحيان إلى أي مدى يمكن استخدام بياناتهم الشخصية
لكن الممارسات الجارية في العديد من الدول اظهرت ضعف التشريعات الوطنية، وضعف الضمانات الإجرائية، ما أسهم في انتشار الإفلات من العقاب على التدخل التعسفي أو غير القانوني في الحق في الخصوصية.
ومن الواضح أن تجميع البيانات المتعلقة بالاتصالات يمكن أن يقدم صورة شاملة لسلوك الشخص، وعلاقاته الاجتماعية، وأفضلياته الخاصة وهويته، على نحو قد يتجاوز المعلومات التي يُستحصل عليها من قراءة البريد الإلكتروني للشخص. ولذلك، فإن جميع بيانات الاتصالات والاحتفاظ بها قد تمثل تدخلاً في الخصوصية، سواء استُخدمت هذه البيانات أو اطُّلع عليها لاحقاً أو لا. وبمجرد وجود برنامج للمراقبة الجماعية للاتصالات التي تجرى عبر البريد الإلكتروني ولأشكال التعبير الرقمي الأخرى يشكل تدخلاً في الخصوصية.
ويستند تقرير الأمم المتحدة إلى أعمال اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية بشأن البت في الوقت الذي تمارس فيه الدولة ولايتها القضائية، إلى ضرورة التزام الدول بواجباتها في ما يتعلق بحقوق الإنسان كلما مارست سلطتها أو سيطرتها الفعلية. فإذا انطوت المراقبة على ممارسة الدولة للسلطة أو للسيطرة الفعلية في ما يتعلق بالهياكل الأساسية للاتصالات الرقمية، يجب على الدول أن تتقيد بالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان كلما قامت بهذه المراقبة. ويشمل ذلك، مثلاً، التنصت المباشر على الهياكل الأساسية للاتصالات أو اختراقها، وممارسة الدولة للولاية التنظيمية على طرف ثالث يتحكم مادياً في البيانات.
ويذكِّر التقرير بأن القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص صراحة على مبدأ عدم التمييز، وبأن على الدول اتخاذ تدابير تكفل توافق أي تدخل في الحق في الخصوصية مع مبادئ الشرعية والتناسب والضرورة، بغض النظر عن الأصل العرقي للأشخاص الذين تراقب الدول اتصالاتهم، أو جنسيتهم، أو مكانهم. ويشير التقرير أيضاً إلى الطابع الأساسي للضمانات الإجرائية والمراقبة الفعالة من أجل حماية الحق في الخصوصية في إطار القانون والممارسة العملية. كما أن الضمانات الداخلية التي تفتقر إلى المراقبة المستقلة ثبت عدم فعاليتها في مواجهة أساليب المراقبة غير القانونية أو التعسفية.
وتعتمد الحكومات بشكل متزايد على الشركات في القيام بالمراقبة الرقمية وتيسيرها. وقد توجد في بعض الحالات أسباب شرعية تتيح لأي شركة تقديم هذه البيانات. ولكن عندما يكون طلب الحصول على البيانات مخالفاً لقانون حقوق الإنسان، أو عندما تُستخدم المعلومات على نحو ينتهك قانون حقوق الإنسان، فقد تتعرض تلك الشركة في هذه الحالة لخطر التواطؤ في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان. وتطرح المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، التي اعتمدها مجلس حقوق الإنسان في قراره 17/4 المؤرخ 16 حزيران2011، معياراً عالمياً لمنع ومواجهة الآثار السلبية للنشاط التجاري على حقوق الإنسان. وتبين هذه المبادئ بوضوح أن على الشركات أن تتحمل المسؤولية عن حماية حقوق الإنسان في جميع عملياتها العالمية، مهما كان مكان وجود المستفيدين من هذه الشركة، وبغض النظر عن وفاء الدولة بالتزاماتها الذاتية المتعلقة بحقوق الإنسان أو لا. لكن غالبية الشركات العاملة في قطاع الاتصالات ليست على دراية كافية بتلك المسائل، أو أنها تتجاهلها.
واحد من أوجه المراقبة الرقمية تلك التي تقوم بها الدول من أجل قمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات، أو معاقبة الصحافيين والمعارضين وغيرهم من منتقدي الحكومة. وذلك بما يخالف المادة 17 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، التي تحترم وتكفل الحق في الخصوصية لجميع الأشخاص الموجودين داخل الدولة والخاضعين لولايتها.
وتقول شركة أورانج إن المسائل المتعلقة بالطلبات المختلفة التي قد تتلقاها أي شركة اتصالات لجمع بيانات عن عملائها أو الاحتفاظ بهذه البيانات، أو لجعل شبكاتها "قابلة للتنصت على الاتصالات"، صارت أكثر وضوحاً في فترة ما يسمى "ثورات الربيع العربي". فقد تلقت شركات الاتصالات طلبات من الحكومات ــــ أحياناً تحت تهديد السلاح ــــ ربما كان لها تأثير على حقوق عملائها في حرية التعبير والخصوصية.

المراقبة المستقلة ثبت عدم فعاليتها في مواجهة أساليب المراقبة غير القانونية
وحمل ذلك تلك الشركات على إقامة حوار في إطار قطاع الاتصالات بشأن حرية التعبير والخصوصية، وعلى التشارك في التصدي للمسائل المتعلقة بحرية التعبير والحق في الخصوصية في قطاع الاتصالات.
وتميز الدول في أحيان كثيرة بين جمع محتوى اتصال ما، من جانب، والبيانات المتعلقة بالاتصال، أو البيانات الوصفية، من الجانب الآخر، مع خضوع الحالة الأولى لضمانات أقوى من الضمانات التي تخضع لها الحالة الأخيرة. وتطالب الأمم المتحدة بالتخلي تماماً عن أشكال التمييز هذه التي تمارسها الدول، إذ إنها تعكس فهماً بالياً لطبيعة الاتصالات التي تُجرى الآن وفشلاً في تحديث القوانين. وتعود أشكال التمييز هذه إلى عصر كان يُميز فيه بين الظرف الذي توضع به الرسالة ومحتوى هذا الظرف، في حين أنه عند النظر إلى الاتصالات الرقمية فإن ما يُسمى الظرف، أو البيانات الوصفية تتضمن معلومات حساسة وقيّمة. فمثلاً، من الممكن أن تُستمد تلك المعلومات من البيانات الوصفية وأن تُحلل من أجل الحصول على معلومات عن المعتقدات السياسية أو الدينية للشخص.
وبيّنت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن من الممكن الحصول على معلومات طبية ومالية وقانونية من البيانات الوصفية. وقد أبطلت محكمة العدل الدولية أخيراً قانون الاحتفاظ الشامل بالبيانات، ما يشير الى الاتجاه الدولي نحو زيادة حماية البيانات الوصفية، الأمر الذي لم ينعكس بشكل واضح في القوانين الوطنية.