فيما الشعوب العربيّة، ومعها الرأي العام العالمي، تتنفّس الصعداء، بعدما أزيح كابوس حرب مدمّرة، عن شعوب المنطقة، يقف فريق أساسي في لبنان ليلعن حظّه ويلطم وينوح كالأم الثكلى التي لا يقبل قلبُها عزاءً. تلك «الأم الحزينة» التي تلقّنت مبادئ «الثورة» في الأمس القريب، على يد المرحوم عمر سليمان، نفد صبرها وهي تنتظر انتصار «الثورة» في البلد الشقيق، هي المفطورة على الإيمان بالديموقراطيّة والعدالة ودولة المؤسسات والقانون. والنهج «الثوري» لـ 14 آذار ميكيافيلي بامتياز: لا يهمّ الأدوات والوسائل المعتمدة في «النضال» ــ قنابل النابالم مثلاً ـــ المهم أن تنتصر «الثورة» في سوريا.
وقد يكون دولة الرئيس فؤاد السنيورة، في رسالته الموجّهة إلى الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما قبل ثلاثة أيّام على موقع «فورين بوليسي»، أبلغ تعبير عن هذه الحالة الوطنيّة الصاعقة. «اضرب سوريا، سيّدي الرئيس»، يتوسّل رئيس الوزراء اللبناني السابق بلغة العبد الذي يخاطب سيّده، مستحلفاً إيّاه بـ«الواجب الأخلاقي» لأميركا المؤتمنة على سعادة البشريّة!
رغم كل شيء، هناك في لبنان من يتمسّك بصورة إيجابيّة لفؤاد السنيورة. لا نتحدّث عن المحاسب عند آل الحريري الذي صار وزيراً للمال وبنى فلسفته الاقتصاديّة على تجويع الفقراء كي يزداد الأثرياء ثراءً، ولا عن «زعيم الأوبريت» الذي «أبكى العالم» في الأمم المتحدة صيف 2006، داعياً إلى «إنقاذ وطنه»، بينما كان يطالب في الخفاء بتمديد العدوان على لبنان، كما كشفت برقيّات «ويكيليكس»… تفكّر برجل الدولة الذي قد تختلف معه في السياسة، إنّما تبقى تكنّ له الاحترام، باسم قيم وطنيّة وثقافيّة مشتركة، وكشريك في بناء الدولة الحديثة. تفكّر بالسنيورة ذوّاقة الطرب الأصيل، الآتي من ثقافة قوميّة عريقة، وتسأل: كيف لهذا السياسي المحنّك الذي يرفع لواء القوميّة العربيّة، أن يدعو قوّة أجنبيّة، لم تكذّب يوماً صورتها الاستعماريّة، لضرب أرض عربيّة. إنّه يستجدي العم أوباما ـــ بعدما تراجع عن قراره، على الأقل في المدى القريب، باسم مصالحه طبعاً، لا حريّة الشعوب العربيّة ـــ أن يمتطي طائرته الحربيّة ويتبرّع بشهامته المعهودة بتحرير الشعب السوري من نير الاستبداد، كما فعل سلفه مع الشعب العراقي… «على الغرب أن (…) يقود عملية جديدة لحماية سوريا والعالم العربي الأوسع من التشرذم. وبإمكانه أن يفعل ذلك من خلال دعم قوى الاعتدال، وتسخير روح أولئك المتظاهرين السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع في ثورة تدعو إلى تغيير سلمي». السنيورة يتحدّث عن «المتظاهرين السلميين»! ويؤكّد أن روسيا وإيران تقدّمان السلاح، فيما الغرب يتفرّج… ويذكّر أوباما بأنّه الـ Sherif القادر على محاسبة الأسد، والولايات المتحدة بأنّها «صاحبة مصلحة استراتيجيّة في إنهاء الصراع في سوريا (…) ووقف الهيمنة الإيرانيّة على المنطقة». وهو على يقين من أن حملة عسكريّة غربيّة إنما «ستحمي العالم العربي الأوسع من التشرذم»…
كيف يمكن أن نصف هذه الرسالة الذليلة إذا شئنا تفادي الكلمات التي تفرّق من نوع «الغباء السياسي» أو «الانتحار الوطني» أو «الخيانة العظمى»؟ هل نلتمس الأعذار لدولة الرئيس ورفاقه «السياديين» في لبنان؟ هل نقول إننا نفهمهم إذ تهاوت كل رهاناتهم على «الحل السحري» الذي تحمله «الرافعة الأميركيّة»، وكانوا يتوقّعون أن يدرّ عليهم انتصارات سياسيّة «عظمى» في الدائرة الضيّقة لمصالحهم وحساباتهم الصغيرة. السنيورة ورفاقه يريدون الحرب من أجل السلام، والحريّة التي يحملها لنا الغزاة. يطالبون بالتدخّل العسكري حرصاً على السلم الأهلي في لبنان والمنطقة. يستجيرون بالجيش الأميركي الذي يهدّد دولاً ومجتمعات وشعوباً بالتمزّق والهجرة والإبادة والفناء، باسم ديموقراطيّة واهية يعرف الجميع أنّها لفظيّة وكاذبة وغير ممكنة على متن الصواريخ المغيرة.

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@


تم تعديل هذا النص عن نسخته الأصلية بتاريخ | ١٢ ايلول ٢٠١٣