مجلة «فورين بوليسي» هي خير مثال على الإعلام الأميركي المفجوع. كبار صحافييها وحتى مسؤوليها كتبوا عن هول قرار تحويل الهجوم على سوريا إلى التصويت في الكونغرس وتداعياته السلبية على... كل شيء. مدير المجلة وكبير محرريها دايفد روثكوف، عدّد في مقال بعنوان «القمار» عواقب القرار الرئاسي الأخير، واصفاً خطوة باراك أوباما بـ«المفاجأة القنبلة». روثكوف يرى أنه بعد قرار البيت الأبيض لم يعد الرهان على هجوم يستهدف سوريا أمراً أكيداً، وذلك لصعوبة الحصول على إجماع النواب والشيوخ المنقسمين في ما بينهم على مبدأ التدخل العسكري وشكله.
«الخطوط الحمر فقدت معانيها»، يضيف الكاتب ويقول إن هناك «تقارير موثوقة سابقة» كثيرة عن استخدام غاز السارين في سوريا، لكن «الرئيس لم يتخذ أي قرار بهذا الشأن، ما أسهم في فقدان صدقيته»، وها هو يحيل قرار تنفيذ الهجوم على «الكونغرس الأكثر عجزاً في تاريخنا». روثكوف يتابع أنه «مهما حصل في سوريا الآن، فإن الرئيس وضع نفسه في موقع لا يستطيع فيه اتخاذ أي قرار مستقبلي (حتى بعد سنوات) حول تدخل عسكري أو أي خطوة ذات أهمية من دون الرجوع إلى الكونغرس». الكاتب يشير أيضاً إلى أن الرئيس «ضرب إدارته بنفسه؛ إذ حوّل بتّ أهمّ قرارات السياسة الخارجية من فريقه إلى الكونغرس المنقسم الذي لا يؤيده». وفي النهاية، يرثي روثكوف صورة الولايات المتحدة «التي يقودها رئيس قوي كلمته ذات وزن وقراراته حاسمة»، والتي بهّتها أوباما وحوّل موقف بلاده الى موقف ضعف.
مقال آخر نشرته «فورين بوليسي» ضمن أجواء رثاء الموقف الاميركي بعد قرار أوباما، وهو بقلم روزا بروكس المستشارة السابقة في الخارجية الاميركية، بعنوان «العملاق الجريح». بروكس ذهبت في مقالها أبعد من المشكلة السورية لتقول إن أزمة واشنطن هي في مجمل سياستها الخارجية، مهما قرر أوباما أو تصرّف. بروكس حاولت عدم إلقاء كامل اللوم على أوباما، ورأت أن هناك مجموعة حقائق «يعرفها الرئيس جيداً، لكنه لن يقولها لنا لأننا لا نريد أن نسمعها». الحقيقة الأولى، حسب بروكس، هي أن «عهد أميركا ولّى فعلياً» وسط الدول الاخرى التي يتزايد نفوذها يوماً بعد يوم ووسط التطور التكنولوجي السريع الذي لا نملكه حصرياً، ما يجعلنا غير ممسكين بمصيرنا كما يجب. بروكس وجّهت اللوم أيضاً الى الداخل الاميركي المترهّل اجتماعياً والمعرقَل سياسياً من خلال الانقسام الحاد في الكونغرس. الحقيقة المرّة الثانية، هي أن «لا أحد يبالي فعلاً بما نفكّر، وليس بمقدورنا إصلاح أي شيء»، تقول بروكس وتشرح أن الأزمة المالية الاميركية التي فاقمتها المبالغ الطائلة التي صرفت على الحروب جعلت واشنطن عاجزة عن تصحيح الأوضاع في مصر وسوريا وأفغانستان وباكستان... «لم تعد الولايات المتحدة قادرة على قولبة العالم كما تشاء»، والبلدان التي تستفيد من الأموال الاميركية (مثل مصر وباكستان) «يمكنها أن تملأ خزناتها من أموال دولة اخرى في أي وقت هذا اذا لم تستخدم أموالنا لتساعد أعداءنا كما فعلت باكستان». أما الحقيقة الثالثة، فهي أن «الولايات المتحدة أصبحت بارعة في تدمير الأشياء»، وهنا تعدد بروكس ما دمّرته إدارات بلادها في أفغانستان والعراق وليبيا وتقول إننا، رغم كل ذلك، «ما زلنا ننجذب الى استخدام القوة الصرفة».
مقال «فورين بوليسي» الثالث، ينعى «صدقية الولايات المتحدة». دانيال بايمان من «معهد سابان وبروكينغز» يسلّط الضوء على ضرورة أن يأخذ الكونغرس في الاعتبار أن «كلمة واشنطن على المحكّ والصدقية الاميركية تجاه الدول الحليفة والعالم أيضاً». وهنا، يحدد بايمان أكثر فيتكلّم على إسرائيل ويسأل: «هل ستبقى إسرائيل مؤمنة بأن ظهرها محميّ لأن الولايات المتحدة تدعمها؟» ويتابع: «هل بات أي تهديد باستخدام القوة ضد البرنامج النووي الايراني يعني أن الولايات المتحدة لن تنفّذ أي ضربة من دون الحصول على موافقة الكونغرس؟». بايمان يخلص الى القول إنّ على الكونغرس والبيت الابيض أن يناقشا القرار السوري بدقة كبيرة، آخذين في الاعتبار المخططات المستقبلية لواشنطن في المنطقة، وخصوصاً في سوريا «حيث يجب أن تستمر الولايات المتحدة بدعم المعارضة». «أما اذا كانت واشنطن لا تنوي فعل المزيد تجاه المعارضة السورية فيصبح من الأفضل أن تخرج من المسألة برمتها»، يخلص الكاتب.
مضامين مقالات «فورين بوليسي» تكررت الى حدّ ما في مجلات اخرى وفي عدة صحف أميركية، حيث علت صرخة تشاؤم تلوم أوباما على قراره وتسلّط الضوء على «عجز أميركي داخلي وخارجي».
لكن، بعض الإعلام المقرّب من الإدارة، حاول التبرير للرئيس خطوته تلك. صحيفة «ذي نيويورك تايمز» عبّرت عن غضبها في افتتاحية ذكرت فيها أن قرار الحرب «ينتظر الآن أن تنتهي العطلة الصيفية»! «كان يجب أن يعود النواب والشيوخ من عطلتهم لمناقشة القرار السوري» طلبت الصحيفة. الافتتاحية شرحت أيضاً كيف أن أوباما «يقف وحيداً» في القرار السوري بعد أن انسحب معظم حلفائه من المهمة. ولم توفّر الصحيفة الانقضاض على جمهوريي الكونغرس «الذين يتنافسون لعرقلة طروحات الرئيس» مهما كانت. أما صحيفة «ذي واشنطن بوست»، فقد رأت أن تحويل قرار الهجوم على سوريا يحمل بعض «المخاطرة»، وخصوصاً أن «الكونغرس كان صدّ في السابق طروحات كثيرة قدمها أوباما».

يمكنكم متابعة صباح أيوب عبر تويتر | Sabahayoub@




… والفرنسي يبكي تجاهل أوباما

كآبة الإعلام الأميركي انتقلت الى الإعلام الفرنسي الذي عبّر عن حرقة وحزن وبعض الشماتة المبطّنة بالرئيس فرانسوا هولاند. الصحافة الفرنسية التي «انتشت» بتحالف فرنسي ـ أميركي حربي الاسبوع الماضي، باتت تلملم خيبة أملها وتحاول التفتيش عن... السيناريوات الأميركية الباقية للحفاظ على ماء وجه فرنسا في حماستها «لمعاقبة» الرئيس السوري بشار الأسد. أما الخلاصة التي اتفق عليها معظم الصحافيين الفرنسيين، فهي استنكار «انقلاب» باراك أوباما المفاجئ في الرأي، ما ترك هولاند وحيداً في القرار السوري. «هولاند ذهب بعيداً وبشكل سريع جداً» كتب بيار روسلان في «لو فيغارو» وأضاف: «أوباما لم يذكر فرنسا مرة في خطابه، رغم أنها الحليف الوحيد الباقي له في مشروع الهجوم على سوريا، وهذا يدلّ على مكانة هولاند الضعيفة عند الرئيس الاميركي». «هولاند الذي خال نفسه لوهلة أنه الحليف الأساسي للولايات المتحدة»، علّق روسلان.
«لو موند» تحدّثت من جهتها عن «المقلب الأميركي الذي وقع فيه هولاند»، فيما «يحاول المسؤولون في الإيليزيه التخفيف من حدّة الإحراج الذي سببه». «التغيير المفاجئ في موقف أوباما يدلّ على ازدراء الولايات المتحدة الكبير لفرنسا»، قال الجنرال فينسان ديبورت في مقابلة مع «لو موند». «ليبيراسيون» وضعت من جهتها الأمور في سياقها وفي إحدى افتتاحياتها شرحت قائلة إن «هولاند بقي وحيداً في حربه على سوريا، بينما الرأي العام الموالي له يبقى صامتاً، والمعارضة التي خلناها أكثر شجاعة تخلّت عنه وسط المخاض». فيما حاولت مقالات اخرى ردّ الاعتبار للرئيس بالقول إن «هولاند أظهر أنه رئيس حرب على عكس ما توقّعنا، وقد بيّن ذلك في مالي وفي قراره السوري».