دمشق - خرجت قبل أسبوع تظاهرة في مدينة سقبا التابعة لريف دمشق نظمها «تجمع أحرار الغوطة لتصحيح مسار الثورة»، وهتف المشاركون في التظاهرة: «الشعب يريد توحيد الجيش الحر». ولعل هذا النوع من الشعارات وإن بدا مسانداً للجيش الحر ولم يوجه سهامه إليه مباشرة، فإنه وجهها إلى من هم أكثر تطرفاً منه، أي إلى «دولة العراق والشام الاسلامية» و«جبهة النصرة» بما يوحي برغبة حقيقية في إبعاد الأجانب إن لم يكن طردهم، وفي استعادة التصورات الأولى عن ماهية ومهمة «الجيش الحر».
وما يسمح باستنتاج من هذا النوع هو جملة التظاهرات التي شهدها الريف الدمشقي بالتزامن مع تظاهرات في العديد من المناطق «المحررة» على امتداد الساحة السورية. فقبل هذه التظاهرة بأسبوعين خرجت تظاهرة أخرى في بلدة كفربطنا في الغوطة الشرقية ضد «الجيش الحر» نفسه وضد قائد «لواء الرضوان» وضد «الهيئة الشرعية» هاتفةً «الجيش الحر حرامي... بدنا الجيش النظامي»، وأيضاً «الجيش الحر حرامي متل الأمن النظامي» في تمييز واضح بين سلوك الجيش السوري وسلوك الأجهزة الأمنية. وتمّ قمع هذا التحرّك حسب الأهالي بنار من راجمة صواريخ تابعة للواء الرضوان أدى إلى مقتل 16 مواطناً وجرح آخرين. تكرر الشعار ذاته في حمورية وفي منطقة زبدين ــ غوطة دمشق الشرقية أيضاً ــ التي حمل المتظاهرون فيها العصي. وفي السياق نفسه، كانت قد خرجت تظاهرة في قدسيا في ريف دمشق يوم 15 تموز 2013 هتف المشاركون فيها: «يا للعار يا للعار... الحرامية صاروا ثوار»، وسبقتها أيضاً تظاهرة حي بستان القصر في حلب يوم 9 تموز 2013 التي طالبت بفك الحصار الذي تفرضه المعارضة المسلحة وجزؤها التكفيري تحديداً ممثلاً في هذه الحالة بلواء «شهداء إحسم»، الذي قام بقمع التظاهرة بالرصاص الحي، مسقطاً قتيلاً وثمانية جرحى من المتظاهرين. وفي يوم السبت 6 تموز 2013 قامت «داعش» (دولة العراق والشام الاسلامية) بقمع تظاهرة ضدها في مدينة الدانا التابعة لريف إدلب، ما أدى إلى مقتل 13 مواطناً وإصابة عشرين آخرين. وتحدثت بعض المصادر عن اشتباكات جرت بين «داعش» وكتائب من «الجيش الحر» على إثر هذه الحادثة. وفي الرقة أيضاً خرجت تظاهرات عدة ضد الإسلاميين المسيطرين عليها، ورفعت شعارات متقدمة جداً من حيث مضمونها السياسية كشعار «الشعب يريد دولة مدنية».
واللافت في معظم هذه التظاهرات هو أنّ المتظاهرين ليسوا «مؤيدين» على الإطلاق، فقد ترددت مرات عدة شعارات ضد السلطات السورية، معبرةً عن مزاج مركب وجديد لدى أهالي المناطق الساخنة والمنكوبة، يتقاطع إلى حد ما مع مزاج عام آخذ بالتبلور، وهو مزاج رافض لممارسات طرفي الأزمة ورافض للوجود الأجنبي والتدخلات الأجنبية بجميع أشكالها. مزاج عبّر عنه بعض الأهالي الذين وصلت إليهم «الأخبار» بشق الأنفس في كفربطنا.
كفربطنا نموذجاً
م. وهبة، وهو في السبعين من عمره، قال: «أكلناها من الكل، لا الجيش بيرحمنا ولا الجيش الحر، ونحنا رايحين بين الرجلين». أما ل. النمر، وهو طالب جامعي، فانقطع عن دراسته منذ السنة الماضية فقال: «عندما كانت تظاهراتنا سلمية، كان الأمن يعتقل ويضرب، وعندما بدأ ظهور الجيش الحر بدأ الأمن يطلق الرصاص علينا ولا يطلقه على المسلحين، وحين جاءت جبهة النصرة أصبح الأمن يقاتل الجيش الحر ويترك جبهة النصرة». وعقّب بالقول: «وكأن المقصود هو أن يحولونا جميعنا إلى إرهابيين وربما يريدوننا أن ننضم إلى «داعش» أيضاً لكي يبرأ النظام نفسه أمام المجتمع الدولي ويضطره إلى القبول بالقمع الذي يقوم به». ولدى سؤال «الأخبار» الشاب الجامعي الذي سمّى نفسه «قيس الشامي» عن شعار «الجيش الحر حرامي متل الأمن النظامي»، أجاب: «نعم هذه هي الحقيقة، أبناء قريتي الذين انضموا إلى الجيش الحر منذ أكثر من سنة ونصف سنة استشهدوا جميعهم وكانوا أبطالاً حقيقيين رفضوا الظلم وهبّوا لمحاربته، لكن معظم من تبقى في الجيش الحر لدينا هم من الزعران أو من المتشددين الأجانب. فالناس الجيدون في الجيش الحر يتعاون على تصفيتهم كل من الأمن النظامي والمتشددون والأجانب، ونتيجة الثورة أنها أخذت الأجواد وتركت الأنذال». ولمزيد من الاستيضاح سألناه عن موقفه من الجيش السوري فقال: «رغم أنه يوجد في الجيش أشخاص مسيؤون، لكن الحالة العامة ليست كذلك، فسلوك الجيش السوري هو سلوك إيجابي، ونحن اليوم بحاجة لوحدته وقوته أكثر من قبل بسبب وجود جبهة النصرة وداعش وغيرها، وبالأخير فإن عناصر الجيش هم أولاد البلد الفقراء يعني متلنا متلهن». أما السيدة س. وهبة، التي قتل ابنها منذ سبعة أشهر مع «الجيش الحر»، فقالت: «الأمن واللجان الشعبية شيء، والجيش النظامي شيء آخر، وأنا قدمت ابني شهيداً والذين قتلوه هم اللجان الشعبية»، وتابعت: «الجيش الحر بعد أن استولى السعوديون والأجانب على قيادته أصبح يضيّق علينا في رزقنا، ويمنعنا من بيع منتجاتنا الزراعية القليلة للشام، بل يأخذها هو إما دون ثمن أو بأثمان زهيدة، وربما يتاجر بها والله أعلم، واليوم، لكي أحصل على الخبز أصبحت بحاجة للقيام بعملية نوعية!».
وعن القصف الذي تعرضت له تظاهرة كفر بطنا ضد «الجيش الحر»، التي أدت إلى مقتل 16 مواطناً وجرح آخرين، أشار أ. النجار الذي اشترك في التظاهرة، في حديثه مع «الأخبار»: «تفاجأنا بالقصف، واعتقدنا في البداية أنّ النظام هو من قام بالقصف، لأنه لا يزال يقصفنا حتى اليوم، ولكن أحد أبناء القرية من الجيش الحر أخبرنا أن لواء الرضوان هو من قام بقصفنا براجمة الصواريخ».
ويبدو أن المزاج الشعبي الجديد المعادي للإسلاميين التكفيريين ولمن يشبههم ضمن «الجيش الحر» من جهة، واللجان الشعبية والأجهزة الأمنية من جهة أخرى، ينمو باضطراد داخل المناطق المعارضة والمعرّضة للقصف اليومي، مزاجٌ ربما يطبع بصمته المرحلة المقبلة من الصراع في سوريا.