الحسكة | لم تكَد «الإدارة الذاتية» الكردية تستريح من تداعيات الهبّة العشائرية ضدّ ممارساتها في أرياف دير الزور، حتى أثار قرارها رفع أسعار المحروقات بنسبة وصلت إلى 300%، موجة احتجاجات غير مسبوقة منذ تأسيسها قبل نحو عشر سنوات، وذلك في معاقل سيطرتها في المناطق الشمالية من محافظة الحسكة، حيث طالب المحتجون بالتراجع عن القرار مراعاةً للأحوال الاقتصادية المتدهورة للسكان. لكن وسط تأكيدات من «الذاتية» أن العودة عن القرار شبه مستحيلة في ظلّ التضخم الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد في عموم البلاد، من المتوقّع توسّع رقعة الاحتجاجات إلى عموم مناطق سيطرة «الذاتية» في مدن وبلدات شمال شرق سوريا.
وأصدرت «الإدارة العامة للنفط والمحروقات» التابعة لـ«الذاتية»، قراراً برفع سعر الديزل المخصّص لأغراض صناعية ووسائل السير، من 525 ليرة سورية إلى 2050 ل.س، والديزل (الحر) المَبيع في محطات الوقود من 1700 ل.س إلى 4100 ل.س، بنسب ارتفاع وصلت إلى 300%، مع الحفاظ على الأسعار السابقة لديزل الخدمات والتدفئة والزراعة والمولّدات الكهربائية. وسبق تلك الخطوة قرارٌ لـ«الذاتية» برفع رواتب الموظفين والعسكريين المتعاقدين معها بنسبة 100%، وبمعدل وسطي يصل إلى نحو 800 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 55 دولاراً. لكن بعد يوم واحد من صدور قرار رفع الأسعار، نظّم أهالي مدن وبلدات القامشلي ورميلان ومعبدة شمال محافظة الحسكة، التي تعتبرها «الذاتية» معقلاً رئيساً لها، تظاهرات احتجاجية ترافقت مع إضراب عام وإغلاق للمحالّ التجارية واقتصار لحركة السير على وسائل النقل العامة. ورفع المتظاهرون شعارات تطالب «الذاتية» بـ«ضرورة العودة عن القرار، مع اتهامات لمسؤوليها بالعمل على جباية الأموال، ونهب مقدّرات الشعب وثرواته». وفي السياق نفسه، توالت دعوات الناشطين في بقية مدن محافظة الحسكة ومناطق الرقة ومنبج وعين العرب إلى تنظيم تظاهرات وإضرابات، للضغط على المسؤولين للتراجع عن الخطوة التي ستكون لها تبعات اقتصادية كبيرة على عموم مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية - قسد».
وترافقت التظاهرات والإضرابات، مع حملات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت وسم موحّد هو: «لا لقرار رفع المحروقات، لنا الحق في ثروات بلادنا»، والتي تدير «قسد» أكثر من 90% منها، في ظل تواجد أهم حقول آبار النفط والغاز، والأراضي الزراعية الخصبة والسدود ضمن مناطق سيطرتها. وفي السياق، يقول فرهاد، وهو أحد المتظاهرين في مدينة القامشلي، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «الأهالي خرجوا للتعبير عن رفضهم لسياسات الإدارة الذاتية، الهادفة إلى إفقار الشعب، ودفعه نحو الهجرة». ويشدّد على «ضرورة العودة عن القرار، الذي نُسب زوراً إلى المصلحة العامة، وهو عملياً يهدف إلى زيادة إيرادات الذاتية من جيوب السكان»، متسائلاً عن «مصير مئات ألوف الدولارات التي تدخل يومياً إلى خزائن الذاتية نتيجة بيع النفط والغاز والضرائب والمعابر، وتحصيل الرسوم». ويلفت إبراهيم، بدوره، إلى أنه «في وقت كان فيه السكان ينتظرون تحسين واقع الخدمات، ورفع الرواتب والأجور إلى مستوى يساعد سكان المنطقة على توفير احتياجاتهم الأساسية، جاء قرار رفع المحروقات ليوضح توجهات الذاتية في الضغط اقتصادياً بشكل أكبر على الأهالي»، معتبراً أن «الزيادة التي مُنحت حتى لموظفي الإدارة الذاتية جاءت بنسبة 100%، فيما رُفعت أسعار المحروقات بنسبة 300%، ما يعني ارتفاعاً غير مسبوق في العديد من السلع والخدمات».
في المقابل، سارعت وسائل الإعلام المحسوبة على «قسد» إلى تصنيف التظاهرات على أنها تأتي في إطار الجهود الرامية لزعزعة استقرار مناطق «الذاتية»، مبرّرةً خطواتها بأنها تأتي انسجاماً مع التضخم الكبير الذي يعيشه الاقتصاد السوري بشكل عام، والانخفاض غير المسبوق لقيمة الليرة السورية أمام الدولار، ما أدّى إلى ارتفاع كبير في عمليات التهريب في اتجاه مناطق سيطرة الحكومة والمعارضة، نظراً إلى الفارق الكبير في الأسعار مع مناطق سيطرة «الذاتية».
من جهتها، حسمت «الرئيس المشترك لإدارة المحروقات في الإدارة الذاتية»، عبير خالد، الجدل حول إمكانية العودة عن القرار، من خلال التأكيد، في تصريحات إلى قناة «روناهي» الناطقة باسم «الذاتية»، أن الإدارة «التقت بالأهالي وأعضاء المجالس المحلية، وكان هناك إجماع على توفير وتحسين جودة المازوت، مقابل زيادة أسعاره»، مبيّنة أنه «من الصعب التراجع عن قرار الزيادة أو تعديله»، معتبرة أن «رفع الأسعار سيساهم في الحد من عمليات تهريب المحروقات إلى خارج مناطق سيطرة الإدارة الذاتية».