تسعى الرياض حالياً لأن تكون بمثابة الوسيط بين دمشق والغرب
إلّا أن الاستحقاق الرئيس لاختبار النوايا في المرحلة القادمة، ومعرفة مدى قدرة العرب على إحداث خرق في الاستعصاء القائم في الملفّ السوري، يتمثّل في تمديد الاستثناءات الإنسانية من العقوبات المفروضة أميركياً على سوريا، والتي تنتهي صلاحيتها في تموز القادم، بالتزامن مع انتهاء مدّة دخول المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا. وفي هذا الإطار، تريد دمشق رفعاً كاملاً للعقوبات، وهو ما لا يبدو قابلاً للتحقّق، بينما تمديد الاستثناءات وتوسيع دائرتها يَظهران أمراً قابلاً للتفاوض في المرحلة الراهنة، علماً أن السوريين لم يحصدوا بعد نتائج «الاستثناء الأميركي»، على اعتبار أن مدّته كانت محدودة، وأن فرط الامتثال للعقوبات من قِبَل المصارف والشركات الغربية بقي معيقاً لإنفاذه، فضلاً عن أن دورة المشاريع عادةً ما تمتدّ على عام أو أكثر، ما يجعل حتى المنظّمات الدولية غير مستفيدة من استثناءات محدودة الزمن والمضمون كالسارية حالياً. أمّا بخصوص دخول المساعدات عبر الحدود، فهو لا يزال أولوية إنسانية لسكّان شمال غرب سوريا، حيث يستمرّ التحكّم السياسي بوجهتها وطريقة صرفها. وبالتالي، تكمن فرصة الدور العربي هنا، في تمديد الاستثناءات الإنسانية وتوسيعها من قِبَل الغرب، في مقابل تمديد دخول المساعدات عبر المعابر من قِبَل دمشق.
وإلى جانب الملفّ المتقدّم، يَبرز ملفّ عودة اللاجئين كأولوية قصوى أيضاً، لكنه أكثر تعقيداً وصعوبة، إذ إن «العودة الآمنة والطوعية» تتطلّب تهيئة ظروف الأمن والسلامة، وضمان عدم تعرّض العائدين لأيّ ملاحقة أمنية آنية أو مستقبلية، وهو ما يقتضي خطوات ملموسة من دمشق. كذلك، فإن الأمان الاقتصادي للاجئين في المناطق التي سيعودون إليها، لن يتحقّق من دون تدفّق مشاريع عربية على مستويَي التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وهذا ما يستدعي خطوات من الغرب عبر تسهيلات وتطمينات للشركات بأنها لن تتعرّض لعقوبات. وتؤكّد مصادر دبلوماسية عربية وأممية، لـ«الأخبار»، أنه «حتى اللحظة، هذه هي الملفّات الرئيسة التي يتمّ التباحث حولها في الكواليس، ضمن مبدأ الخطوة مقابل خطوة. كما يتمّ طرح فكرة استئناف عمل اللجنة الدستورية كبادرة حسن نيّة من مختلف الأطراف، وتفعيل المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة»، والذي يعاني حالياً حالة ركود، ولا يُعدّ أولوية في المبادرة العربية، التي بحسب المصادر، «تأخذ في الاعتبار متغيّرات الواقع والظروف، التي جعلت القضية السورية في حاجة إلى شكل جديد من التسوية، فيها روح القرار الدولي 2254، وليس حرفيّته».
داخلياً، فإن التحدّي الأكبر أمام السوريين يتمثّل في كسر خطوط التماس في الداخل، وفتح الجغرافيا السورية بعضها على بعض، وحلّ مشكلة السلاح والمسلّحين في الشمالَين الشرقي والغربي، في ما يمثّل بمجمله مهامَّ معقّدة وصعبة، خصوصاً أن مبادرة «خطوة مقابل خطوة» تدعو إلى حلّ تلك المشكلات بطرق سلمية. وإذ يتطلّب الحلّ تغييرات سياسية داخلية في سوريا، فإن المصادر تؤكّد أن «دمشق تبدي انفتاحاً على توسيع مفهوم اللامركزية الإدارية في سوريا، وتعزيز دور الإدارات المحلّية في الحكم»، وهو ما تحاول المبادرة العربية استثماره في مسار الوساطة التي تقودها بين دمشق والغرب.